سبع سنوات عجاف مرت على جميع المناطق المحررة، توقفت فيها عجلة الإنتاج المحلي إلا من بعض الصناعات اليدوية البسيطة، وتوقفت معها المشاريع الصغيرة قبل الكبيرة، وتباطأت معها عجلة التجارة بشكل عام، وتصدر الكساد على عرش الصناعة، فكثرت البطالة، وغادرت اليد العاملة إلى خارج البلاد، وكذلك غادرت معظم رؤوس الأموال أو اختبأت حتى إشعار آخر.
لكن هذا الواقع حقيقة؟
قامت صحيفة حبر الأسبوعية بزيارة المنطقة الصناعية في مدينة إدلب وأجرت عدت لقاءات مع بعض التجار وأصحاب الورش الصناعية:
أبو العز تاجر حديد بناء وصاحب معمل بلوك وبلاط يقول: “وضع الصناعة في الريف الغربي سيء جداً بصورة عامة بسبب استمرار قصف الطيران أولاً، وارتفاع سعر المازوت ثانياً؛ لأن جميع موادنا الأولية تعتمد على المازوت، فالتركس والكسارة والمكبس لا يتحركون إلا بالمازوت، ومكنات الطحن والتعبئة والنقل كلها تعمل على المازوت.
سعر سيارة النحاتة 45 ألف ل.س بعد أن كانت 30 ألف ل.س
وثمن كيس الإسمنت 1700 ل.س، وكيلو حديد البناء 300 ل.س.
منذ 7 سنوات كان عندنا في إدلب مشروع إفراز أراضٍ للبناء، فنشطت حينها الصناعة والتجارة، وانعكس هذا على جميع المصالح مثل النجارة والحداد وعمال البناء، وكنا في تلك الأيام نصنع ونبيع في اليوم الواحد 7 آلاف بلوكة، وكان يعمل عندي 35 عاملا ولا نستطيع تلبية كل الطلبات، أما اليوم يعمل عندي 7 عمال فقط، وأغلب الوقت لا نعمل ننتظر الزبون الذي يأتي ليأخذ كمية قلية من مواد البناء للتصليح، لكن في حالات نادرة نبيع مواد بناء لأشخاص يريدون أن يعمروا مزارع أو دار في الريف”.
(وحيد ربيع) صاحب مستودع لبيع الأخشاب يقول: “لا يوجد عمل في هذه الأيام، وإن وجد فهو قليل جداً، غلاء المازوت والقصف وذهاب الكثير من القرى القريبة في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الشرقي لصالح النظام أثر كثيراً على بيعنا وعملنا.
في السابق كانت ورشات النجارة تأخذ الأخشاب من عندنا وكنا نبيع في اليوم الواحد الكثير، وجميع ورشات النجارة تعمل وتصدر للأرياف كغرف النوم والجلوس والطاولات وغيره من الأثاث المنزلي”.
أبو علي صاحب محل ورشة نجارة: “هناك فرق كبير بالعمل اليوم مقارنة بالعمل قبل 7 سنوات، اليوم نعمل بما نسبته 10% قياسا على السابق، والناس متخوفون من القصف وينزحون ولا يوجد استقرار، وزاد الطين بلة غلاء المازوت وتأثيره على جميع الأعمال، فقد ارتفع سعر باب الخشب على سبيل المثال إلى %30 ولولا مولدة الكهرباء في منطقة الصناعة لكنا جلسنا في بيوتنا لأننا سوف نحتاج باليوم الواحد إلى 12 لتر من المازوت”.
يقول أحد العمال: “أجورنا اختلفت وارتفعت إلى عشرة أضعاف بسبب ارتفاع الدولار، لكن اليوم العامل الفقير هو أكثر المتضررين من هذا الحال، فقد كانت يومية العامل قبل الثورة 1000ل.س أي ما يقارب 22 دولار، كنا نصرف منها وندخر نصفها تقريباً، لكن اليوم يأخذ العامل يومية 3000 ل.س أي ما يعادل 6.40 دولار وبالكاد نستطيع العيش بها، وكثير من الأحيان نستدين عندما يمرض طفل أو يتغير الفصل، فيتوجب علينا شراء لباس يتلاءم مع الصيف أو الشتاء”.
من خلال ما تقدم يتضح جليَّا مدى تأثير الحرب على الواقع الصناعي وسلبها مقومات الصناعة بشكل عام، فتناقص العنصر البشري وقلة الأجور، وعدم الاستقرار، وارتفاع أسعار المحروقات، والنزوح الدائم نتيجة القصف، وعدم وجود بيئة آمنة للاستثمار، كل ذلك أسهم بتأخر الصناعة في المناطق المحررة بشكل عام، لكن لم تتوقف عجلتها التي ماتزال تدور رغم كل الصعوبات.