لم تسلم الرياضة من بطش النظام وظلمه، فكما هو حال الكثير من نجوم الرياضة السورية تعرض البطل العالمي (خالد الخطيب) الذي وصل إلى بطولات دولية للاعتقال على يد النظام السوري، فدخل السجن معتَقَلاً وبقي فيه مدة أربعة أشهر، بذلت عائلته خلالها كل ما تملك في سبيل خلاصه ونجاته.
بعد هذه المحنة التي عصفت به وجد نفسه محطماً من الداخل، لينتهي به الأمر مهجراً من دمشق كحال الكثيرين، لكن حبه لرياضته المفضلة جعله يقف على قدمين من حديد.
احترف المدرب البطل الدولي رياضة الجودو منذ عام 1985، وتدرب في مدينة دمشق، والتحق بالمنتخب السوري عام 1994، وحصل على عشرات الألقاب، وهو مدرب وحكم أول يحمل حزامًا أسود (5 دان) في اللعبة، وعضو في اتحاد الجودو والكوراش التابع للجنة الأولمبية الحرة.
في 2003 اعتزل وتعاقد معه نادي الشرطة كمدرب ومن ثم افتتح مركزًا خاص به للتدريب في مدينته رنكوس، وتدرب على يديه الكثير من الشبان الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة وأصبحوا أبطالًا، وبعضهم شارك في بطولات دولية، إلى أن تحوّل المركز إلى نقطة عسكرية بعد الحملة التي شنتها قوات الأسد على المدينة، نهاية العام 2011.
وعن نشاطات لاعبيه أخبرنا:” بدأت التدريب عام 2003 وخرّجتُ عدة أبطال وبطلات على مستوى سورية والعرب وغرب آسيا وآسيا، وشارك أحد لاعبيَّ في أولمبياد ريو ديجينيرو بالبرازيل.”
تجربته مع النزوح والتهجير.
لم يثنه التنقل والنزوح عن متابعة مسيرته الرياضية بل سارع بافتتاح مركز لتدريب الجودو في “عين الفيجة” لكن هذه المرة بإمكانيات أقل، ولم يكتب له الاستمرار بسبب حملات النظام الوحشية ليرسو به الحال مع قوافل المهجرين إلى مدينة إدلب في العام الماضي.
وبإصرار أكبر مما مضى تابع “الخطيب” حياته وولعه برياضة الجودو يقول لصحيفة حبر:
“في كل مرة كنت أصل حد اليأس وأفقد قدرتي في البدء من جديد، لكن شيئا ما بداخلي يجعل من هذه الرياضة قوة دفع لي، فأسعى بكل طاقتي للعودة، إنها روحي الثانية.”
وحدثنا أنه استقرض مبلغا من المال هذه المرة ليفتتح صالة تدريبية في إدلب وجهز أرضيتها بالإسفنج العازل وأحضر البدلات الرياضة الخاصة بها والأحزمة، وهنا وبدأ الناس يتوافدون إلى هذا المركز على قلتهم، ومن ثم ازداد الإقبال بفضل الله.
السيد” خالد الخطيب” لم يكن الوحيد الذي امتهن الرياضة ونجح فيها في نزوحه، بل كان للرياضيين حصة كبيرة في هذه الثورة ولهم حكايا طويلة يروونها عن معاناتهم.
السيد “مازن ضميرية ” من مهجري مدينة دمشق مدرب رياضة ” قوة بدنية وكمال أجسام” كان أحد المدربين المخضرمين في مدينته، ودرب في عدة نوادٍ أبرزها نادي السلام في برزة ونادي الزعيم في مدينة التل، وحصل على شهادات في ” التدريب والتحكيم”
وكما هو الحال تعرض المدرب” ضميرية” إلى مضايقات واعتداءات من بعض الشبيحة في مدينة” برزة “ما جعله يترك التدريب وينتقل إلى مدينة أخرى، وتتالت بعدها الأماكن ليجد نفسه في منطقة وادي بردى حيث قضى عاما كاملا وضع فيه كل إمكانياته ليفتتح ناديا” حديديا ” رغبة منه في متابعة تدريبه وتشجيعا له من اللاعبين الذين يقصدونه أينما ذهب لتعلقهم به ولخبرته وتمكنه وحبه لهذا النوع من الرياضة، “فهي ليست مهنة بحد ذاتها بقدر ماهي فن واحتراف ومتعة” بحسب ما وصفها لنا.
لكن سرعان ما جعلت طائرات النظام من النادي ركاما بعدما شنت حملة هوجاء على منطقة عين الفيجة راح ضحيتها البشر والحجر.
ومن رصيف الأمل أكمل المدرب “ضميرية” مسيرته الرياضية بعدما حطت به الرحال في مدينة إدلب، إذ سرعان ما لجأ إلى التدريب في أحد النوادي التي كانت شبه واقفة عن العمل، فأعاد إليها الحياة والحركة، وبكثير من الصبر والجهد أصبح اليوم” نادي الجمال ” من أشهر النوادي في المدينة، يقصده المتدربون لما يتمتع به من برامج متقدمة تخضع لأنجح الأساليب والمقاييس في القوة البدنية وزيادة الوزن.
بهذه الصورة حول الشباب المهجرون واقعهم المؤلم إلى فسحة أمل تعطيهم الدفع للبقاء والاستمرار والنجاح في بلادهم، وإن تهجروا قسرا إلى مناطق أخرى.