منذ بداية العام الحالي، تم قصف 13 مرفقا صحياً في سورية، بحسب ما قالت منظمة أطباء بلا حدود، وأضافت خلال بيان رسمي لها أن المستشفيات والعيادات لم تعد تشكل أماكن يستطيع المريض أن يستعيد عافيته فيها.
وفي إحصاء نقلته وكالة الأناضول، فإن الطيران الروسي استهدف بالقصف، منذ أيلول العام الماضي، 22 مستشفى ومدرسة في مناطق واقعة ضمن محافظات حلب وإدلب ودرعا، بينها مستشفيات للتوليد والأطفال.
النظام السوري منذ بداية حربه على الشعب لم يلتزم بقوانين مجلس الأمن بتحييد المنشآت الطبية رغم وجود اتفاقيات دولية تنص على ذلك، إنما جعلها أهدافاً إستراتيجية مشروعة له وللطيران الروسي متخذاً العديد من الحجج لقصفها بغية تجريد الأهالي من أهم ضرورات الصمود والحياة، وإجبارهم بذلك على قبول تسوية تنتهي بتهجيرهم وتشريدهم، وسط مشاهدة المجتمع الدولي لكل ما يحصل دون ردع مكتفياً بعبارات التنديد والتهديد التي يقرؤها النظام السوري وحلفاؤه على أنها ضوء أخضر للاستمرار في الجرائم، فمن لم توقظه شهقات أطفال دوما وهم يختنقون بالغازات السامة لن يوقظه مشفى صار ركاما فوق كوادره.
لقد بات إجرام هذا النظام واضحا وجليا بالنسبة إلى العالم الذي سكت عنه، لكن ربما لو أن الثوار اتخذوا احتياطات أولية وأساسية للحفاظ على المنشآت الطبية قدر الإمكان لكان عملهم أخذاً بالأسباب خاصة أنهم أحاطوا خُبرا بعدوهم ورأوا حالات قصف متعددة للمشافي، إذ معظم المشافي بقيت في مكانها ولم تُنقل بمعداتها إلى أماكن محصنة وآمنة تحت الأرض منذ تحول الثورة إلى الكفاح المسلح رغم تعرضها لقصف مدفعي وصاروخي وقصف بالطائرات أتى عليها وجعلها ركاماً، ولنا بمشافي مدينة حلب خير مثال، فقد تعرض معظمها إلى القصف مرات عديدة وكلها كانت على شكل أبنية ولم تنقل إلى الأقبية والملاجئ رغم وجودها بكثرة ضمن المدينة، بالإضافة إلى عدم تسميتها بالرموز أثناء الحديث عنها إلا ما ندر، وهذا يندرج على كل المشافي في مناطق المعارضة.
وكان للإعلام الثوري والخارجي سبب في ذلك أيضا، حيث كان من المراسلين من يجري مداخلات على الهواء من قلب الحدث ويصف مكان حدوث القصف جانب المشفى مع ذكر اسمه منوها إلى عدم إصابته وتضرر الأبنية المجاورة أو تضرره! كانوا بأسلوبهم هذا يحددون أماكن سقوط القذائف والغارات ويصححون للنظام الهدف ويعطونه إحداثياته! ويعود ذلك كله إلى تعدد الجهات الطبية الموجودة وعدم وجود مرجعية توحد العمل وتتخذ إجراءات وتدابير خاصة في الحماية، بالإضافة إلى عدم الانتباه من قبل الإعلاميين أثناء تغطيتهم للحدث ووقوعهم في أخطاء قاتلة، يُضاف إلى ذلك أيضا عدم الاعتبار من قصف المشافي الأخرى والتقاعس أو الظن أن المشفى لن يقصف!
وبالنظر إلى طرق الحماية التي اتخذت من قبل الجهات الطبية المعنية نجد أنها لم تكن ذات جدوى، والسبب ليس لأن النظام يمتلك أسلحة تدميرية فقط، إنما لأنها كانت عبارة عن وضع أكياس رمل فوق الأسطح وسد الشبابيك والفتحتات بأكياس الرمل أيضا، وربما تطورت الأمور إلى بناء جدار من الرمل يحيط بواجهة المشفى. وكل ذلك كان يتم ضمن ميزانية لو أنفقت لنقل المشفى أو النقطة الطبية إلى ملجأ لكان ذلك أجدى وأنفع وأكثر أمنا ولنا بمشافي الغوطة وغيرها خير مثال.
إن وحشية النظام وعدم تردده بقصف كل ما يمنع الصمود والحياة في مناطق الثوار، والاستهتار من قبل الثوار والعاملين في المرافق الطبية رغم تكرر القصف، حرم الأهالي الموجودين من التطبب والعناية خاصة في ظل وجود حصار في المنطقة ونقص بالمستلزمات الطبية وعدم قدرة المشافي على الاستيعاب ونقص بالاختصاصات والكوادر.
إننا في ثورة على نظام مجرم لا يتورع عن قصف أي شيء، وبناء على ذلك حريٌّ بنا أخذ أعلى أنواع الحيطة والحذر واتخاذ كل إجراءات الأمان خاصة حيال المرافق الطبية وكل ما يتعلق بأسباب الصمود والحياة لقهر هذا النظام الذي لا يؤمن له جانب مهما فعل، والمؤمن كيس فطن، والأخذ بالأسباب أمر شرعي وواجب.