قالها تميم البرغوثي “بعض المعارك في خسرانها شرف من عاد منتصراً من مثلها انهزما”
وأقول: بعض الهزائم في طياتها نصرٌ من لم يعتبر منها قد انهزما
في غزوة أحد كانت الهزيمة من نصيب المسلمين الذين شربوا من كأسها أول مرة عندما اختل شرط الجندية في الانصياع لأوامر القائد العام، فجاء الدرس سريعاً ليناسب الموقف وليتحدد المنهاج والمسار.
إن الهزيمة التي مُني بها المسلمون في تلك المعركة لم تكن هزيمة مادية لأنهم لم يقعوا في الخطأ نفسه مرة ثانية، إذ إن الناجح في هذه الحياة من يجعل من أخطائه سلماً للوصول إلى المجد بأقل الخسائر ويعيد تدويرها لتكون سداً يقيه الوقوع بمثلها.
إن الهزائم التي منيت بها ثورتنا البريئة ما كانت لتستمر وتتكرر إلا لأنها كانت بريئة لدرجة الغباء الذي استشرى سنة بعد سنة، حيث إن تلك الصفعات لم تكن كافية لتوقظ الناس من سكرة السذاجة..
توالت الخسائر والصفعات والطعنات.. ولم نكلف أنفسنا عناء الوقوف دقيقة واحدة للنظر إلى السبب..
سقوط بعد آخر.. حصار بعد آخر.. هزيمة دون مبرر ونحن مانزال نتقاذف التهم والتخوين وننشغل بالردود على سفاسف القول ومواجهة كل سفيه.
إن خسارة الغوطة كانت كأي هزيمة سبقتها.. لكن ما كان يميزها هو الضوء الذي سلطه النظام عليها ليعلن نصره المحتوم والمؤكد بعد أن ضمن العدد الكافي من سنين الحصار والتجويع، والعدد الكافي من العملاء الذين عرفوا مهمتهم، فخرقوا السفينة وأوسعوا الخرق فيها حتى أصبح بعض الشجعان يتهافتون للتشبث بالمجاذيف بدل أن يسدوا الخرق، إن خسارتها رسالة لباقي المناطق التي سيستمر الزحف إليها.
إن هزيمتنا في الغوطة كانت بمثابة طعنة الخاصرة التي وقفنا ننتظرها بشغف، وعندما وقعت أغمضنا أعيننا لبرهة في امتعاض يعتصره حزن المتكبل في الأغلال التي صنعت لنا منذ أول يوم انتفضنا فيه..
تلك الأغلال التي تهمس باستمرار (وما حيلتي وقد وسد الأمر لسفيه وترأس الساحة إمعة) إن مشكلة الساحة الشامية أنها عملت على تقطيع المهام وفصلها عن بعضها البعض، فكانت السياسة كفراً، والعسكرة هي السبيل الأنجع للخلاص من الظلم والصلاة في روما وفتح القدس، والاقتصاد لم يكن سوى عائدات دون استثمار، والحياة المدنية كانت وماتزال الضحية التي تدفع الفاتورة عند رأس كل هزيمة..