سلوى عبدالرحمن |
يُعرف المجتمع السوري عبر التاريخ بتنوعه القومي والعرقي والديني وتماسك مكوناته من عرب وسنة ودروز وعلوية وشيعة بنسب متفاوتة إضافة إلى الأكراد والأرمن والسريان، وجميعهم يرتبطون بعلاقات اجتماعية متينة، فلا فرق بينهم إلا من خلال ما يقدمونه من خدمات للبلد والمجتمع.
وكان لاندلاع الاحتجاجات بداية عام 2011 ضدَّ فساد النظام أثر بالغ في زيادة تماسك النسيج السوري، إلا أنها لم تلبث أن تفتّت بعد أن استخدم النظام الطائفة والعرق كأدوات لمحاربة الشعب السوري وإجهاض حراكه، وجعل مطالبه في الحرية والكرامة ذات صيغة فئوية بعيدة عن أهداف الوطن ككل، وجعل لكل جماعة أهدافها الخاصة التي تسعى إليها، لتقع مختلف الأقليات والأكثرية في هذا الصراع البيني بعيداً عن الأهداف الجامعة في فترة من الفترات.
من جهة أخرى، ساهمت التدخلات الخارجية المساندة لأطراف الصراع في زيادة انقسامات مكونات النسيج السوري إضافة إلى استغلال بعض السياسيين السوريين الفرصة لتنفيذ مشاريعهم وترسيخ نفوذهم الأمر الذي زاد الفجوة اتساعًا بين السوريين، كذلك عملت سياسات الدول الكبرى في تعاطيها الخطير مع الملف السوري التي أدت بدورها إلى إطالة الحرب دون أن يلوح في الأفق أمل في نهايتها.
إن ترسيخ الطائفية والتدخلات الخارجية هما أبرز أسباب الانقسام في النسيج السوري وبناء على هذا، فمن مصلحتنا نحن السوريين أن نعمل على إنجاز وثيقة اجتماعية وطنية ترسخ أسس السلام المجتمعي على المدى الطويل وتعيد ثقة السوريين ببعضهم، يراعي القائمون عليها أهمية احترام التنوع القومي والديني في مكونات نسيجه، مع التركيز على أهمية تكوين جيش وطني موحد، والعمل على هيكلة دولة وطنية تمهد الطريق أمام مواطنيها لبناء مؤسسات تكفل لهم حقوقهم المدَنية بعيدًا عن انتماءاتهم الدينية ودون تدخلات خارجية.
إن طرق معالجة أسباب “انقسام النسيج السوري” والبحث عن آليات لتعافيه وإعادة وحدته لم تتعدَ إطار المساندة والدعم المادي والنفسي للمُهجرين والنازحين وضمن إمكانيات محدودة وسط تخاذل المنظمات الدولية وهي صراحة خطوة جيدة إلا أن هذه الحلول مؤقتة ولا تتجاوز إطار (الحفاظ على البقاء وإيجاد لقمة العيش) وهذا ما يسعى النظام والدول الكبرى المتصارعة إليه.
وهنا يجب أن يكون دور الدول الغربية والعربية مساعداً في تمكين السوريين من عملية الانتقال السياسي التي تضمن استقرار سورية أولًا عن طريق إيقاف قتل السوريين من قبل النظام وحلفائه، وانطلاقاً من تلك المرجعيات التي صاغها السوريون سابقًا في جنيف التي تؤكد ضرورة زوال بشار الأسد باعتباره المسبب الرئيس لكافة الجرائم، ومعاقبة كل من تورط بدماء السوريين، وتشريدهم في أصقاع الأرض.
وقياسًا مع تجارب بلدان أخرى عانت من الحروب وتعافت منها وأصبحت أقوى اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وبنت مجتمعات مدنية تحت حماية القانون والعدالة، فإن الركيزة الأساسية لنهاية الحرب في سورية يجب أن تقوم على “وعي المواطن السوري” وتقبله للآخر دون أي شروط وفهم التغيرات الجذرية في بنية المجتمع بعيدًا عن أي تعصب طائفي أو قومي أو تدخل خارجي.
نهاية نجد أن أولويات إعادة بناء النسيج السوري التي ينبغي على كافة أطياف المجتمع السوري اتخاذها لتخفيف آثار الحرب على الروابط الاجتماعية حفاظًا على وحدة مكوناته، تتجلى في:
– العمل على إعداد خطط عمل لرفع مستوى ثقافة المواطن السوري وزيادة وعيه.
– توفير فرص عمل لتأمين حياة كريمة للسوريين تتناسب مع وضعهم المادي المتدني عن طريق زيادة عدد المشاريع التنموية والإعمار وعدم الاعتماد على المعونات والسلال الغذائية.
– إعادة تأهيل المؤسسات الأمنية لمكافحة الفساد وإقامة مراكز دعم وتأهيل اجتماعي تستهدف كافة شرائح المجتمع السوري لتعزيز الحوارات والروابط المجتمعية بينهم.
– إنشاء منظمات حقوقية مستقلة تعنى بمراقبة الانتهاكات، ودعم التجمعات الفكرية والنخب الثقافية لتعزيز الحريات السياسة لأنها الأقدر على صناعة القرار ورسم مستقبل سورية بما يتناسب مع احتياجات مواطنيها.
مرحلة إعادة بناء نسيج المجتمع السوري ليست بالعملية السهلة نتيجة الأوضاع الكارثية التي تعرض لها خلال الحرب حاله كحال جِراح نسيج أجساد السوريين التي تمزقت بسبب إصابة في الحرب تحتاج وقتا طويلا حتى تندمل كل جراحه وتتعافى لينهض من جديد، وأي عملية بناء حقيقية لابد أن تكون متكاملة جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.. إلخ، وهذه جميعها لن تبدأ فعليًا إلا مع زوال النظام السوري.