علي سندة |
شهد الأسبوع الفائت أحداثاً مهمة على الساحة السورية يمكن أن نقرأ من خلالها مستجدات متوقعة خلال الفترة القادمة، فالنظام فكَّ قَالبه المُصمم خصيصا للسيطرة على المدن الخارجة عن سيطرته من غوطة دمشق ومن القلمون مؤخرا بعد نجاحه في السيطرة عليهما، وأعاد تركيبه فيما تبقى من أحياء دمشق ليحكم بذلك سيطرته على محافظتي دمشق وريفها بالكامل، وبالتوازي مع ذلك ثمة نسخة أخرى لهذا القَالب رُكِّبت في جنوب حماة والعمل جارٍ لإنجاز المهمة المعتادة، فالقصف متواصل منذ أسبوعين وسط إمكانية حدوث كارثة إنسانية أخرى تهدد حياة 70 ألف شخص هناك، وما ريف حمص الشمالي بمنأى عن البقية، فجولات التفاوض للمصالحة جارية، يتخللها تعثرات تتجدد حيويتها بالقصف المتواصل.
في صورة أخرى: وضَع الاقتتال أوزاره بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سورية، مع التأكيد أنه لن يتجدد وأنه توقف دائم! والنتيجة مخرجاتُ البيان المُوقَّع، لكن ذلك لم يُرضِ الطرف المجهول الذي عبَّر عن غضبه من هذا التوقف بموجة من الاغتيالات التي بدأت صباح أمس الجمعة ولا أحد يعرف من وراءها وما غرضها ومتى تنتهي، والحديث عنها كالحديث عن التفجيرات التي تمَّت على مدار السنوات السابقة في إدلب وغيرها من المناطق ولم يعُرف مُنفذها حتى الآن!
وفي الشأن الخارجي المتصل: يُطالعنا اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار أستانة (تركيا، وروسيا، وإيران) في العاصمة الروسية موسكو لبحث القضية السورية، وذلك يوم السبت 28 نيسان/أبريل الجاري، علما أنه في الرابع من هذا الشهر أيضاً اختُتمت قمة ثلاثية جمعت رؤساء الدول الضامنة!
الصور السابقة ربما يتكون من خلالها استشراف لمآل إدلب يعتمد على الواقع المُعاش والنتائج السابقة للمشهد، فالنظام صمم قالباً مُكوناً من ذريعة تدخل دائم في المناطق التي يريد إخضاعها يتيح له القصف بشرعية دولية تحت مسمى مكافحة الإرهاب ثم الحصار ثم التهجير، وهذا القالب جرَّبه وأعطى نتائج فعالة ومايزال قيد العمل وهو صالح للتركيب في إدلب ضمن هذه المعطيات، والسبب صلاحية البيئة لتركيبه وحصد النتيجة المعتادة.
إن التصفية لفصائل المعارضة على مدار سنوات أدت إلى انحسار الساحة عن فصيلين تمثلا بهيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سورية اللذَين بدأا جولة تصفيات لبسط النفوذ والسيطرة على ما تبقى من مناطق، وربما يُقرأ توقف الاقتتال المفاجئ الذي وصفه طرفاه بالدائم خطوةً لاستدراك ما تبقى وتفويت الفرصة على النظام وسدِّ ذرائع التدخل بإدلب خاصة أن النظام لوَّح بذلك عقب انتهائه من السيطرة على الغوطة، فالاقتتال الحاصل لا رابح فيه سوى النظام، وتوقفه الفجائي ربما أزعجه فلجأ لإذكاء ناره من جديد عبر حملة الاغتيالات المتنوعة.
أما أستانة فضامنوها اجتمعوا لأجل مصالحهم في سورية كل حسب رؤيته وما يهمه، فبعد بدء جولاتها في يناير 2017 نلحظ إعادة رسم للخريطة السورية بشكل متسارع عبر مراحل تمخضت عقب كل اجتماع، وما السقوط السريع لمناطق ريف إدلب وريف حلب الجنوبي وعملية غصن الزيتون وتهجير الغوطة ونشر نقاط مراقبة بعد كل تغيير في خريطة السيطرة إلا دليل يشير إلى دقة التخطيط والتنفيذ، وهو قراءة للنتائج الظاهرية الإعلامية التي تتمثل بمخرجات آخر اجتماع في أنقرة على سبيل المثال، فالدول الضامنة أكدت ضرورة الوقوف ضدَّ أيِّ أجندة انفصالية أو مخطّطات تمسّ وحدة سورية وسيادتها، ومواصلة التعاون لإحلال السلام والاستقرار في سورية!
إن إدلب حاليا والمناطق التي يمتلك النظام فيها ذريعة للتدخل لا تعتبر مناطق آمنة كمناطق درع الفرات وغصن الزيتون مؤخرا، إنما تخضع لمسارات أستانة وصراع الضامنين لها على الأرض السورية، ولكي تكون هذه المناطق المتبقية آمنةً كمثيلاتها (درع الفرات، وغصن الزيتون) لا بد من إنقاذها بتجميع الصور السابقة ورسم المشهد مع الحلفاء بما يضمن سلامتها والاستفادة من كل السيناريوهات التي طُبقت؛ لمنع حدوث كارثة إنسانية أشار إليها وحذر منها مؤخرا مستشار الأمم المتحدة لسورية في الشؤون الإنسانية (يان إيجلاند) بحسب ما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، علما أن مبعوث الأمم المتحدة لسورية، استيافان دي مستورا أعرب عن أمله ألا تتحول إدلب إلى حلب جديدة أو إلى غوطة شرقية جديدة، داعياً كلاً من روسيا وإيران وتركيا إلى بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.