أحمد رجاء الشامي |
الاستقالات الجديدة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أتت نوعية كمعظم سابقاتها، إذ ضمت رئيساً سابقاً ونائبي رئيس لهم حضور وظهور، وبغض النظر عن جملة العوامل التي دفعتهم لاتخاذ قرارهم، فقد دلّلت مجدداً أن الاقتياد الدولي للشعب السوري نحو بيت الطاعة الأسدي، هو جهد يعاكس الطبيعة، ويتناقض مع مقومات المنظومة الدولية وينتهك مبادئها بشكل فظ لا يمكن تجرعه.
ربما كان على السوريين أن يتفهموا حساسية تنظيم داعش وخطره على أمن واستقرار الدول التي انضوت في تحالف دولي للقضاء عليه قبل أن يقتل واحداً من أبنائها، وأن يفهموا أن مسؤولي بعض تلك الدول لم يعتبروا قتل النظام لصحفيين من بلادهم فضلاً عن قتله لمئات الألوف من أبناء شعبه ليس إرهاباً وأن ذلك النظام ليس بخطر على شعبه وعلى المنطقة والعالم.
وربما كان عليهم أن يتقبلوا أن حرب النظام عليهم وكل فظائعه التي صنفتها مؤسسات دولية مرموقة على أنها جرائم ضد الإنسانية ليست أكثر من حرب نبيلة تحمل دوافعها ومبرراتها (المشروعة)، وبالتالي فعليهم أن يقبلوا نقل قضيتهم إلى موازين الربح والخسارة، والرضوخ لنتائج القتل والتدمير على الأرض، والتعامل السياسي وفق مشهد عسكري تم ترتيبه ليكون تعويماً لنظام متهاوي انتهك ما لا يمكن تبريره أو الالتفاف عليه.
ولابد لهم أن ينظروا للمستقبل عبر التفاهم (الوطني) السوري على مستقبل سورية لأنه يؤسس لإستعادة التعايش وبناء الوئام وينزع فتيل أي انفجار قادم ولعل هذا ما يجعل بيان جنيف أساساً جديراً بالبناء عليه، ولكنه تفاهم متعذر فعلياً بسبب ربطه بالفيتو الممنوح لرأس النظام حتى يكون بمقدوره إفشال أي مسعى سياسي، وهذا ما حصل ويحصل، حتى تم الإنعاش العسكري للنظام، وبات الانتصار على داعش مدخلاً (للتفرغ) لتركيب الحل السوري على قاعدة (تصافوا وتفاهموا) وكأن كل ما جرى هو مجرد مناوشات لا تبعات لها ..
وقد أثبتت سنوات الثورة الدامية تجبّر النظام ومكابرته، وأوضحت مدى (واقعية المعارضة السورية) وتفهمها (للمخاوف السياسية) و(الهواجس الأمنية) و(تجاوبها مع الرؤى والطروحات الدولية) و(مسايرتها) للتغيرات في التعامل معها و(التخفف) من مطالب شعبها المشروعة.
لقد شكلت الجرائم المهولة التي طالت الشعب السوري والدمار الذي لحق ببلاده خرقاً غير مسبوق للضمير الإنساني الذي تابعت ملايينه وعلى الهواء تلك الجرائم المتتابعة دون انقطاع منذ أكثر من 2500 يوم، وأعطت لمطالب الشعب السوري قدسية ومشروعية لايمكن القفز الدولي فوقها إلا إذا كان (القاضي راضي)..
إذ لا يمكن تبرير إعادة إنتاج بشار الأسد بعد أن (فقد شرعيته) و(ثبتت) إنتهاكاته المريعة و(تكررت) جرائمه ضد الإنسانية، وتم (توثيق) تعامله مع داعش، و(تواطئه) مع الإرهاب، إلا إذا (توافق) السوريون على ذلك، وعندها يمكن القول الماكر: ماذا نستطيع أن نفعل مادام القاضي راضياً! ..
إن تبادل الأدوار الذي يقوم به مخططو السياسة الروسية ودي مستورا (عراب دفن أبشع جرائم التاريخ وتعويم أقذر مجرمي الأرض) يقود بالتدريج لتقبل (المعارضة السورية) لتعويم بشار (بواقعية) قبلوا بفرضها عليهم في الغرف المظلمة بإدعاء تفويض لم يُمنح لهم، ورضوخاً لما ليس حتماً عليهم..
يا من بقي في المشهد من معارضة الشعب السوري وحاضراً في فلك السياسة صحيح أنه لا يمكنكم الانتصار حالياً على بشار لأنه مدعوم دولياً، ولكنكم لست مضطرون للبصم على إقفال أقذر ملف جنائي في التاريخ وتسجيله ضد معلوم تم منحه بواسطتكم صك البراءة وإعادته حاكماً وسط تهاليل الضحايا وأهازيجهم الممزوجة بقهر غير مسبوق …
لا يريد منكم الشعب السوري أن تفعلوا المعجزات، ولكنه لا يقبل منكم أن ترضخوا لألاعيب ديمستورا، ولا أن تمثلوا دور القاضي الراضي، لأنه ليس راضياً ولا تملكون أن تزوروا إرادته في العدالة والحرية والكرامة، وتفرضوا عليه إعادة تدجينه فقط لأن من يدعي أنه (القاضي) قد رضي ورضخ وبمقدوره أن يقول لا لن أوقع وإلا فإني مستقيل.