منذ أيام تناقل ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسمًا بعنوان: (تنظيف السوشيال ميديا) وذلك بعد انتشار مواد كثيرة جدًا على مواقع التواصل الاجتماعي ليست ذات محتوى، هذا إن لم تكن موادًا تافهة أو محرمة.
ناشطون ومغردون كثر عبر تويتر وجدوا أن تنظيف السوشيال ميديا من المقاطع التافهة أمرًا مهمًا وضروريًّا، فقد تحولت تلك المواقع من نصرة الثقافة إلى نصرة التفاهة!
ويبدو موضوع النشر على مواقع التواصل الاجتماعي شبيهًا تمامًا بالناشر، فالناس العاديون يحفظون العالم ويزيدونه كمًّا، أما القلة النادرة من البشر فهي التي تقود العالم إلى غايات إنسانية عظمى وتحرك السكون في الأفكار والحياة عامة.
وإذا كان (الإناء بما فيه ينضح) فكيف لأناس عاديين أن يحركوا ساكنًا أو يبدعوا؟!
إن كل ما يكتبه أو ينشره الأشخاص العاديون على صفحاتهم الزرقاء لا يتخطى دائرة اهتمامهم الضيقة ومعلوماتهم المحدودة، ولا تخلو كلماتهم من أخطاء إملائية وتعبيرية، لكن منصات التواصل مفتوحة للجميع ومن حقهم أن يعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم بشرط ألَّا يتحولوا إلى منظرين وفلاسفة يقودن العالم إلى مزيد من التفاهة والفراغ، لكن بالمقابل البعض منَّا يحول هؤلاء التافهين إلى نجوم السوشيال ميديا بمتابعتهم وتسليط الضوء على تفاهاتهم وشذوذهم الفكري والأخلاقي، فهؤلاء يتجاوزون الدين والأخلاق ويعبرون عمَّا يحلو لهم من أفكار ومعتقدات باسم حرية التعبير التي حصلوا عليها في دول أوربا التي هاجروا إليها هربًا من قمع مجتمع عاشوا فيه سنوات طويلة مارسوا عاداته وتكلموا بلسانه، وحين أُتيحت لهم الفرصة تنكروا له وبصقوا عليه، ولو أنهم مازالوا بيننا ولم يهاجروا لما سمعنا بهم.
من الرائع أن تحصل على حرية الرأي والتعبير، لكنها حرية يتبعها مسؤولية والتزام أخلاقي، فإذا كنت ملحدًا (مثلا) فليس من حريتك أن تشتم ديانات المؤمنين.
ولا يدخل في باب الحرية الشخصية أن تعبر عن كل ما يختلج في نفسك عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تحول بعضها إلى مواقع إباحية تروج للرذيلة في كل أنحاء العالم. فرض الإسلام حدَّ الزنى ليس على الفعل بحدِّ ذاته، إنما على الممارسة العلنية التي تعني تجاوز الزاني لحدود انضباط المجتمع المسلم، وهذا حدٌّ من حدود الانضباط الاجتماعي الذي رعاه الدين الإسلامي، ولو أن الزاني زنا سرًّا، ثم تاب إلى الله لتاب الله عليه، دون أن يُوسم بوسم الفجور، فالله تعالى لطيف بعباده.
إن مبدأ إطلاق الحريات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي دون حسيب أو رقيب
هزت المجتمع هزًّا عنيفًا في قيمه وثقافته ومعتقداته، وصارت منصات الاتصال مدعاة للانفصال عن القيم والأخلاق ومروج خطير للتفاهة والانفلات الأخلاقي على حساب الثقافة والدين.
بعض المنصات عبر الإنترنت تحجب المواقع المعادية للسامية مثلا، كما فعل (يوتيوب) مؤخرا وحذف الكثير من المحتوى المرتبط بالثورة السورية، وهذا يعني أن هناك رقابة على المحتوى لكنها رقابة مبرمجة وفقًا لمصالح وسياسات جهات مسيطرة على إفساد العالم وتشويه الحقائق!!
وختامًا ليست ظاهرة صحية أن تشارك الناس كل شيء، احتفظ بشيء من خصوصيتك فهي ضرورية جدًا لحياتك، وكن أنت الرقيب على نفسك دون أن يكون هناك رقيب عليك فيما تنشر وترى، ولا تنسَ أنك في عين الله دائما، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.