علي سندة |
يعدُّ التغيير مصطلحًا فضفاضًا ما لم يُحددِ المراد تغييره وما الأشياء التي يجب أن تتغير وما الغاية من تغييرها، فكثيرًا ما ينحرف المُتغيَّر عن المسار الذي رُسم له تحت شعار التغيير نتيجة عدم المعرفة في التغيير وأصوله، أو تعمُّد ذلك لخداع الجمهور أو المجتمع أو حتى النفس والتوهم بتحقيقه ظاهريًّا، فالتغيير يُفهم منه عند إطلاقه التبدل من حال موجود إلى آخر، أو إحداث حال مُتخيل لعدة اعتبارات استشعرها صاحبها، وفي كلا النوعين تكون الغاية واحدة وهي التطور ومواكبة الحال الذي ينشده صاحب التغيير في ضوء الأسس والثوابت والقيم التي هي عماد وأساس التغيير، ووفقًا لهذا التعريف نتوقف عند شيئين مُهمين فيه، الأول أن الأصل في التغيير هو التحول نحو الخير، أي الانتقال من خير إلى خير يوافق التطورات والمستجدات، أو إحداث التغيير لإيجاد الخير إذا كان معدومًا أو قليلًا بحكم الغائب، وهذا المعنى يوافق العُرف العام عند إطلاق اللفظ، فمن الأول على سبيل المثال ما يطرأ من تغيير على العلوم نتيجة الأبحاث والنظريات الجديدة التي تؤدي بدورها إلى التطور في ضوء الأصل أو نسفه إذا كان خاطئًا، ومن الثاني على سبيل المثال أيضًا ما يكون في مجتمع ما من انعدام القيم والفضيلة أو قلتها، وفي المثالين تكون غاية التغيير التي ينشدها الإنسان تحقيق الخيرية النابعة من الفطرة السليمة.
إذ يؤكد ذلك ما جاء في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى: ” ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” الأنفال/53 فالله سبحانه نفى عن نفسه تغيير النِعم التي أسبغها على قومٍ إلا إذا عدلوا عن الأصل والفطرة التي فطرهم الله عليها، وهنا جاء التغيير بمعنى العدول عن الخير، وفي آية أخرى يأتي المعنى نفسه: “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ” الرعد/11
يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لهذه الآية: “له، أي للإنسان معقبات (ملائكة) يعقبُ بعضهم بعضًا، يعقبُ ملائكةُ الليل ملائكةَ النهار وملائكةُ النهار ملائكةَ الليل، يحفظونه من مقدمه ومؤخره بأمر من الله ويدفعونه إلى المقادير، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ) من أَمن ونعمة (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) بترك الشُّكْر (وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا) عذَابا وهلاكاً (فَلاَ مَرَدَّ لَهُ) لقضَاء الله فيهم (وَمَا لَهُمْ) لمن أَراد الله هلاكهم (مِّن دُونِهِ) من دون الله (مِن وَالٍ) من مَانع من عَذَاب الله، وَيُقَال من ملجأ يلجئون إِلَيْهِ.” وهنا أيضًا جاء التغير بمعنى الانحراف والعدول عن الخيرية وشكر الله على نعمه، لكن في الآيتين إثبات الفِطرة، والعدول عنها هو تغيير يستوجب تغيير الله بنعمه على الأقوام، لكن نستنتج أيضًا أن إرادة التغيير في ضوء الفطرة لمواكبة المستجدات والتطورات أمر مهم لا يتعارض مع شيء، وهذا هو الأمر الثاني، فالتغيير لا بد أن يستند إلى أسس ومبادئ وقيم، وإلا فلن يحقق غايته وسينحرف عن مساره أيَّما انحراف، كالثورات التي تنشد التغيير في الحُكم أو المجتمع ولا تملك بوصلة توجهها نحو الطريق القويم، وفي الحقيقة الأمران مترابطان مع بعضهما البعض، فالثاني نتيجة الأول، فبما أن الأصل في الإنسان الخيرية والإصلاح والصلاح وبالتالي الفِطرة التي خلقه الله عليها كما مرَّ معنا في الآيتين، فإن القيم والمبادئ والفضيلة أساس الفِطرة، وما التغيير في كل أحواله إلا لأجل العودة إلى الفطرة ومواكبة كل المتغيرات في ضوء الثوابت.
أخيرًا إن إرادة التغيير واستدعاءها بمعزل عمَّا تقدم لتحقيق التطور والتمدن على كافة الصُعد شخصيةً سواء كانت أم جَمعية لهو تعزيز الانحراف عن الهدف بداعي التغيير، فلنستشعر ذلك في بنائنا لذواتنا ثم لأسرنا ومجتمعنا، فالتغيير من سنن الله في الكون لا يتعارض مع الفطرة وهو واجب على كل فرد وأمة.