انظر إلى يمينك ويسارك إن شئت علّك تراه على مقربة منك ولربما يكون في يدك الآن، أجل إنه الرفيق الملاصق لك، الموجود دائمًا في لقاءاتك مع أصدقائك وبيد المتحلقين على طاولة الطعام أيضًا، إنه “الهاتف الذكي” الذي سُميَّ بذلك لتقديمه عددًا كبيرًا من الخدمات التي لا حصر لها من ذاكرة ذاتية وتخزين بيانات وقدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت.
إذاً العالم بين يديك الآن، تستطيع الحصول على أي معلومة تريدها بنقرة واحدة فقط إنها ثورة التكنولوجيا والمعلومات، كم سيكون هذا رائع لو استخدمناها بالبحث عن المعرفة والاستكشاف؟ عندها نستطيع أن نمتلكها لا أن تمتلكنا. إدمان البعض منَّا على مواقع التواصل الاجتماعي واقع يصعب تجاهله أو حظره، لذلك يحتاج وسائل توعية لنكون على قدر من المسؤولية ومراقبة الذات، وفي هذا المقال سأضيء بعضًا من تلك الجوانب.
كشفت أحدث البيانات الصادرة عن الشركة الإعلامية (We Are Social) تجاوز عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم حاجز الثلاثة مليارات شخص،كما نشرت كلية دبي للإدارة الحكومية عن دراسة تبين أنّ 64% من مستخدمي السوشيال ميديا في البلدان العربية هم تحت عمر 30عامًا، وأصبح موقع الفيس بوك مؤخراً مصدر حصولنا على الأخبار دون أن نأخذ بالحسبان مدى صحتها ما إذا كانت مجرد إشاعة تهدف للتضليل وطمس الحقائق.
كم من الصداقات أنشأنا على مواقع فيسبوك وأنستغرام دون أن نعي أنّ بعض تلك الحسابات قد يكون وهمياً! كم من الساعات التي تبخرت دون عمل أو إنجاز متجاهلين واجباتنا أثناء تصفحنا لحساباتنا الشخصية! كم أصبحت مشاعرنا عبارة عن وجوه تعبيرية (إيموشن) نوضح خلالها إن كنا نضحك أو نبكي أو..! وكم مرة استخدمنا وجوهًا تضحك دون أن تجد الابتسامة إلى وجهنا طريقًا!
في حوار نُشِر لـ (باليهابيتيا) الرئيس السابق لشؤون تنمية أعداد المستخدمين بشركة فيس بوك أن تفاعلاً مثل (like) يروق لك على صورة في الفيس بوك ربما أصبح أكثر إشباعاً على المدى القصير من أصل وأساس التواصل الحقيقي والعلاقات المجدية. إذاً هل استبدلنا علاقاتنا على أرض الواقع بعلاقاتنا بالعالم الافتراضي؟
لكم يؤلمني مشهد مجموعة من الأصدقاء الذين يبدون للوهلة الأولى أنهم يجلسون سوياً، لكنهم ليسوا كذلك مع الأسف، فكلٌّ منهم مشغول بشيء ما في هاتفه الذكي، يتكلمون دون النظر إلى وجه بعضهم البعض، ولربما يقومون بإرسال رسالة نصية إلى أحد منهم مفادها: (هل يمكنك إحضار الملح). أصول العلاقات البشرية تصبح أكثر هشاشة كلما توغلنا في العالم الرقمي دون أن نعي ذلك.
في سؤال للأصدقاء ماذا لو انقطع الاتصال بالإنترنت؟ ماذا سوف تفعلون؟ أجابت إحداهنَّ: “سأتصل بك لنخرج ونقضي وقتاً ممتعاً” أما الأخرى فقالت: “سأقرأ وأجلس مع عائلتي” والأخيرة علقت: “هنالك العديد من الأشياء التي أريد القيام بها، منها إنهاء قائمة العام الماضي للكتب التي أريد قراءتها.”
هل حقاً يجب على شبكة الإنترنت أن تنقطع لنشعر بالحياة ونمارس أنشطة من المفروض أن تكون عادية في يومنا؟! الكثير من الدراسات الحديثة تتطرق الآن إلى انعكاسات مواقع التواصل الاجتماعي علينا، وتجدر الإشارة هنا إلى قصة المراهق “داني ياومان” الذي حاول الانتحار لأنه لم يكن راضيًا عن جودة صور السلفي التي ألتقطها لنفسه وتفاعل الناس معها، يقول: “لقد أخبروني أن جسدي به أخطاء شكلية وليس نموذجياً، وهذا أشعرني بالخزي” تلك ظاهرة السلفي (الالتقاط الذاتي للصور) التي أدت إلى شعور الشباب بالقلق إزاء صورة جسمهم والإعجاب like، حيث انحصر التقدير الذاتي للشخص بعدد التعليقات على صورته الشخصية.
وفي عام 2016 توصلت دراسة شارك فيها 1787 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 19 و32 في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى وجود علاقة بين الوقت الذي يقضيه الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي يومياً، وعدد أعراض الاكتئاب التي تظهر عليه، فكلما زادت الساعات التي يقضيها الفرد على هذه المواقع، زاد شعوره باليأس وانعدام الثقة وضعف الهمة وفقاً لهذه الدراسة. فستذكرك صور الشوارع المكتظة بالألوان والمارة أنك لن تستطيع مغادرة المنزل، ولو رأيت صور أصدقائك ستتحسر على الفرص التي ضيعتها لتكون برفقتهم، فالجميع اليوم يشاركنا بماذا يأكل؟ وماذا يلبس؟ وأين ومتى يسافر؟ وأين يتسوق؟ وما الهدايا التي حصل عليها؟ ولماذا كان مبتهجاً اليوم؟ وهكذا وأنت جالس على أريكتك تقلب الصور والحكايات فقط وترى كيف أن الجميع يقضي وقتاً ممتعاً إلاك، حيث لا أحد يشارك لحظات يومه السيئة، حينها سيتملكك الإحباط والاكتئاب بالتدريج.
تلك الحياة المفتوحة الخالية من الخصوصية التي يتسابق عليها الجميع سمحت لجرائم مثل الابتزاز والاختطاف إلى جانب التعرف على الجهات التي يمكن سرقتها وكذلك ارتكاب أفعال إباحية واستغلال بالإضافة إلى الاحتيال المصرفي وغير ذلك من الجرائم.
“عدم اهتمامنا بالمعلومات المقدمة في مواقع التواصل قد يعرض المستخدمين للابتزاز” (رويترز).
المستخدمون يضعون باختيارهم الحر معلومات على جميع مواقع الشبكات الاجتماعية، وهم لا يدركون أحياناً خطورة هذا الأمر مع الأسف.
سأقدم إليك عزيزي القارئ حِمية شاركتها صحيفة مكة للتخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي.
كما يمكنك قراءة كتاب “مصيدة التشتت” كيف تركز في فوضى العالم الرقمي لـ “فرانسيس بووث”، وتذكر دائما أنت رُبان سفينتك، فتسلح بالوعي والمعرفة قدر ما تستطيع، ولا تدع شيئًا يثنيك عن المضي قدمًا بحياتك ونجاحاتك.