بقلم : رئيس التحرير تعتبر الحرب النفسية السلاحَ الأقوى في كنائن قواد الحروب، وربما كانت أشدَّ تأثيرًا من البارود، وأنجعَ من التقانات الحربية المتطورة، ذلك أنّها تستطيع أن توقد نار الشكِّ في قلب العدو، وتزعزع إرادته وتفقده ثقته بنفسه، وتنخر أسَّه، حتى تنهار معنوياته فيصبح أثرًا بعد عين.إنَّ جميع الحروب التي خاضها الإنسان نبعت من قدرة نفسية تمكنت من تفكيره، وعقيدة آمن بها فاستقرت في قلبه، وليست السيوف وحدها هي التي تقارع في الميدان، وليس الرصاص وحده هو الذي يتكلم في ساحات الهيجاء، إن هذه الأشياء قيمتها قيمة الألعاب البلاستيكية إن لم يستخدمها مقاتل يحدوه الأمل ويدفعه اليقين.وتظهر في الشام الحرب النفسية واضحة في سلوك العدو وتحركاته، يستخدمها لإحباط حركة المجاهدين وتثبيطهم، وبث الضعف في نفوسهم وإيهامهم أنهم ممثلون يعيدون مسلسل الثمانينات وستنتهي أدوارهم بعد أن يحرقوا جميعًا على خشبة المسرح.فما زال النظام السوري منذ بدء الثورة يبث رسائله التي تحكي عن صمود الجيش الأسطوري، وعن التحام الجماهير مع قيادتها التي تحبها كحبها لله، عبر رسائل الخطوط الجوالة ووسائل إعلامه المرئية والمسموعة والمقروءة، ليتسنى للطرشان والعميان أن يفرحوا بالمنجزات التي تحققها سواعد الأسد البلاستيكية.وفي لعبة نفسية أخرى يعتمد الجيش ( الفارسي ) السوري على الضربات المتكررة حينا كما حدث في شتاء العام الماضي، وعلى القفزات ( الضفدعية ) المفاجئة أحيانا كما حدث في الأسبوع الماضي في قرى رتيان وباشكوي وحردتنين في ريف حلب، ما أدى إلى إحباط عدد كبير من المجاهدين.ولا يخفى على العاقل أنّ دول العالم تساند النظام في حربه النفسية، أولها تلك التي تدعي نصرة القضية السورية، فعندما تحلق طائرات العرب في سماء سورية وتقصف كل شيء إلا حبيبها الأسد، فهي تريد أن تقول إن النظام خط أحمر.ونستطيع أن نعد المقابلة التي أجرها الأسد مع bbc حربًا نفسية أخرى، صحيح أن في كلامه الظاهر بلاهةً وجنونًا، لكن في باطنه دهاءً وذكاءً، كأنه يقول: أنا في غاية الارتياح، أجري المقابلات الصحفية وأجيب على الأسئلة وأستقبل الوفود، والعالم كله ينتظر أن يسمع صوتي الحنون ويكحل عيونه بطلتي الوسيمة.وكأن الـ bbc تقول: إننا نعترف بشرعية الأسد في الغابة السورية، ويهمنا رأيه، ويشرفنا أن نقابله وأن نقبل أردان ثوبه.ولكي تكتمل الجوقة يخرج المايسترو ( دي مستورا ) ليزيد الطنبور نغمًا ويقول: إنَّ بشار الأسد جزءٌ من الحلِّ السياسيّ.فما رأيكم؟ أليست هذه حربًا نفسيةً على الثورة والثائرين؟!لكنَّ الأسد ومن معه ودي مستورا وشيعته لا يعلمون أنَّ الله أرشدنا إلى مفتاح المواجهة وهو الاعتماد على ربنا والتوكل عليه، { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } (173) آل عمران