محي الدين راشد |
تجاوز عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا الثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ سوري حسب ما أصدرته وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها مؤخرًا. حيث يواجه كثير من السوريين معانات عدة خلال وجودهم في تركيا أهمها صعوبة الحصول على لقمة العيش، إذ ليس من السهل أن تقيم في بلد لا تفهم لغة أبنائه ولا تعرف عاداتهم وتقاليدهم، من هنا تبدأ أولى معاناة اللاجئين السوريين في تركيا لتشمل حياتهم كلها، فرغم صعوبة تأمين العمل وتحصيل الأجر لتأمين المعيشة انخفضت قيمة الليرة مؤخرًا لتزيد معاناتهم معاناة.
“كمال” لاجئ سوري في تركيا يقتات على بيع الكعك، ترك بيته في حلب وهاجر بعائلته إلى تركيا هربًا من الجوع والقتل ليجد معاناة أخرى تمثلت في صعوبة الحصول على لقمة عيش عائلته التي يعيلها وحده، ارتبك كمال خجلاً عندما سُئل عن سبب اختياره مهنة بيع الكعك دون سواها علمًا أنه تعدى الثانوية في سورية فأجاب قائلاً: “هنا في تركيا لا عجب أن ترى معلمًا أو مهندسًا يعمل في المهن الحرفية لتأمين معيشته، فلي صديق خريج هندسة مدنية يقتات على بيع الكرتون!، لم يعد يهمني شراء ما جدّ من كتب الأدب وغيرها والطموح لإكمال دراستي، ما يهمني اليوم هو شراء حليب أطفالي وتأمين معيشتنا ودفع الآجار.”
وأما عن طبيعة تعامل “كمال” مع زبائنه الأتراك، وعن وجود صعوبات يواجهها يقول في ذلك: “نظرة الأتراك إلى اللاجئ السوري هنا ليست واحدة، فبعضهم ينظر إليه على أنه جاء إلى تركيا ليقتطع من أرضها ويأخذ أرزاق الأتراك، والبعض ينظر إليه نظرة مهجّر فرّ بنفسه وأهله هربًا من الجوع والقتل، فبعد أن يشتري أحدهم الكعكة مني ويعرفني أنني سوري من خلال كلامي معه يزداد وجهه بشاشة ويشدُّ يده أثناء مصافحتي، والبعض يسترجع ليرته مباشرة بعد شرائه الكعكة عندما يعرف أنني سوريّ ويدير ظهره وينصرف، حينها لا أشعر إلا كأننا نحن السوريين أشواك في حلقه!”
لم يكن الحال أفضل بالنسبة إلى “أبو عمر” فهو يعمل في مهنة الإنشاءات لأنها مهنته، إلا أنه تركها في تركيا وكرهها وابتعد عنها لكثرة نصب الأجور فيها، فكثير ما أُكل حقه من قبل أرباب العمل الأتراك ولم يستطع تحصيل حقه المسلوب، ما أجبره على العمل “عتالاً” في سوق الهال، وهو أمر ليس بالسهل، يقول في ذلك: “أعمل هنا 16 ساعة متواصلة، يبدأ دوامي من الثالثة بعد منتصف الليل حتى السابعة مساء، فما إن ننتهي من تفريغ قاطرة البطاطا إلا وتأتي الأخرى محملة، ربُّ العمل هنا لا يعرف من الرحمة إلا اسمها، أُجرتي اليومية لا تتجاوز الخمسين ليرة تركية ولا تعادل شيئًا خاصة وسط تدهور الليرة حاليًا وغلاء بعض المنتجات، وما يجبرني على الاستمرار بالعمل هنا أنني أحصل على أجرتي يوميًّا فلا مجال للنصب أو الاحتيال. ما أعرفه اليوم أنني لست في خيرة من أمري، فلا مجال للقعود بلا عمل، فأنا مضطر لأعمل في غير مهنتي لأعيش.”
هذا هو حال كمال و أبو عمر وغيرهما كثير، إذ ثمة كثير من الشباب الجامعي يعمل في بيع الكعك والعتالة وغيرها من الأعمال، فلو تتبعنا ذلك لرأينا عجبًا، لكن الأعجب أن نرى دولاً عظمى لا تستطع إلى الآن إيجاد حل لما يجري في سورية، فبعد سبعة أعوام مضت تخللتها مبادرات دبلوماسية ومؤتمرات واجتماعات عدة، باءت جمعيها بالفشل ولم تنهِ معاناة السوريين، ولا نبالغ عندما نقول إنها تزيد من تلك المعاناة.