علي سندة |
يستمر رسم الخريطة في الشمال السوري على طول الحدود السورية-التركية كما هو متوقع، إذ إن صُنَّاع السياسة التركية لن تتغير نظرتهم بالنسبة إلى القوة المسيطرة على منطقة شرق الفرات، حيث يعدون قوات سورية الديمقراطية منظمة إرهابية يجب دحرها وتأمين الحدود، لأنها بنظرهم تتبع لحزب PKK الذي يتخذ من جبل قنديل معقلاً رئيسًا له، فبالتوازي مع اتفاق الحكومتين التركية والأمريكية حول منبج ووضع خريطة طريق نرى توغلاً تركيًّا لأول مرة منذ الصراع في معاقل حزب PKK الإرهابي واقتراب القوات التركية من جبل قنديل وإطلاق وعود من قبل الساسة الأتراك بتحريره وتجفيف الإرهاب من منبعه.
إن الاتفاق التركي الأمريكي الأخير حول منبج جاء متأخرًا بالنسبة إلى تركيا التي قطعت وعودًا عدة بالسيطرة عليها خاصة إبان عملية درع الفرات التي توقفت دون تحقيق الهدف المُعلن عنه وهو بلوغ شرق الفرات، وقالوا وقتها: إن عملية درع الفرات بلغت أهدافها! وهذا يفسر صعوبة الدور التركي وحساسيته في المستنقع السورية نظرًا لسياسة تركيا التي ما فتئت تسعى لتحقيق التخلص من أي هيمنة تمس نهضتها، فسياسة تركيا في سورية أشبه بالسير ضمن حقل ألغام، لكن ذلك لم يلغِ رغبتها بالسيطرة على منبج بغض النظر عن الطريقة والآلية التي تحققت مؤخرًا بموجب الاتفاق الذي ينصُّ على بدء حزب الاتحاد الديمقراطي بالرجوع عبر نهر الفرات، ربما خلال تسعين يوماً إذا سمحت الظروف بذلك، وعودة المهجرين وتشكيل قوة تركية أمريكية تتولى عملية الأمن لتأمين المنطقة وحمايتها، وتشكيل إدارة إقليمية وتسليمها لأهل المنطقة.
يجسد هذا الاتفاق ديناميكية السياسة التركية الخارجية والرغبة القوية بتأمين الحدود للانطلاق بتركيا نحو 2023 بقوة وأمان يحققان الأهداف والنهضة المنشودة، وعليه فإن اتفاق منبج لن يقف عندها إنما سنشاهد توسعًا في المستقبل حتى أقصى الشمال الشرقي السوري لضمان كافة الحدود بعمق محدد وهذا ما أشار إليه مولود جاويش أوغلو بقوله:” سنقوم بتطبيق خريطة الطريق في منبج وعقب ذلك سنبدأ بتطبيقها في مدن أخرى، وعندها سيتضح الموقف الأمريكي”، فالنظام التركي الحالي لن يقبل بوجود أي قوة معادية تهدد أمن تركيا على حدودها، وهذا ما يتكرر في خطابات المسؤولين الأتراك هذه الفترة أمام الحشود الجماهيرية في كافة الولايات قُبيل الانتخابات في 24 من الشهر الجاري التي ستشكل منعطفًا تاريخيًّا في تركيا، فاتفاق منبج عُدَّ بحسب المسؤولين الأتراك وبعض الأمريكيين تطورًا للتعاون الثنائي بين البلدين حول سورية، في حين باءت جهود مماثلة بالفشل في عهد أوباما.
أخيرًا إن الوضع في سورية بدأ يأخذ شكل حل سياسي بعد توقف فوهات البنادق ورسم الخريطة برعاية الحلفاء وإعادة الحديث عن اللجنة الدستورية التي ولدت في سوتشي، وإن أي تغيير جديد على ما خُطَّ ورسم سيأتي عبر التفاهمات السياسية بين الحلفاء، وإن اضطر الأمر إلى الأعمال العسكرية فلن تتعدى سيناريو المعارك الوهمية التي لا بد منها لتبديل أماكن السيطرة، وحسبنا بالتهاوي السريع الذي حدث في ريف إدلب وحماة وحلب الجنوبي.