منذ ثماني سنوات وحتى اليوم ينتظر أهل سورية عيدًا تعود فيه الفرحة إلى قلوبهم المنكوبة والشفاء لجروحهم النازفة، عيدًا يلمُّ شملهم على مائدة طعام واحدة فيها الجَد والحفيد وبينهما الأخوة والأخوات والعمات والخالات، عيدًا تفوح منه رائحة أقراص العجوة والكعك والغريبة ويقدم فيه بعد فنجان القهوة الملبس والشوكولا والراحة بالفستق الحلبي، عيدًا يخرج فيه العم الكبير قطعة ورقية من زمرة المئة ليرة سورية فيطير لها فرحًا قلب الصغار وتكفيهم لتلبية مشترياتهم الطفولية لعدة أيام، عيدًا تلبس فيه ثيابًا جديدة لا تفوح منها رائحة دم الشهداء، ولا تستحي وأنت تلبس الثوب الجديد، فليس في بيتك معتقل ولا معوَّق ولا مفقود ولا مهاجر ولا بعيد، عيدًا ليس لك فيه أقارب يعيشون وسط غبار وصقيع الخيام، ولا تعرف فيه أطفالاً يبيعون الجوع بين الركام، عيدًا بلا حواجز ومعابر وجوازات سفر وإجازات قصيرة تموت فيها الأفراح بعد أيام.
ويسأل أخي الصغير هل حقًا هذه أيام عيد؟! إنه يرى ازدحام الأسواق وأسمع أصوات الباعة المتفائلة في الأسواق، لكني لا أرى البهجة في الوجوه، فالقلوب موجوعة ورائحة الحزن والخوف ماتزال مزروعة في الطرقات وفي السماء، لربما قصفتنا طائرة روسية أو أسدية، لربما سقطت قذيفة طائشة في حديقة الألعاب وقتلت الفرح في عيون الأطفال، لربما جاء الموت سريعًا في رحلة نخرج فيها من باب إلى باب، نزور الأهل والأصحاب، هل هذا هو العيد يا أخي الكبير؟!
أخبرني عنه المزيد فأنت أكبر مني وأكثر علمًا، ترصد المشاعر والأحاسيس فتكتبها على شكل كلمات تعيد من خلالها صوغ فهمنا للحياة، بحق السماء والدعاء هل هذا هو العيد يا أخي؟!
والآن أخبرني يا أخي لمَ هذه التجاعيد في وجهك المهموم وأنت لم تتجاوز الأربعين، لماذا دمعت عيناك أيها الطيب الحزين، هل أنت مشتاق للعيد مثلي؟ أخي الصغير، إنني أنتظره مثلك فلا يطرق بابنا، نراه عبر فضائيات إخواننا في دبي والرياض والكويت وفي المغرب وتونس والجزائر، يغني في مصر ويدور في كل الأمصار، ويأتي إلينا في صورة إعصار، يعيد بعثرة صور الشهداء في مخيلتنا، ويحيي وجوها نحبها غابت خلف الضباب!
يذكرنا بحاراتنا القديمة التي صارت خرابًا، وبحلمنا الجميل في سورية يتألق اسمها بين السحاب حرة أبية لا قهر فيها ولا عذاب ولا سجون ولا معتقلات ولا ظلم ولا فساد.
سورية يسودها الحب والإخاء كما كانت قبل عصر الذل والمهانة، وقبل قيود الجلاد، وقبل وجع السياط. أرجوك يا أخي تبسم، تكلم، اشرح، عبِّر، فسِّر، هل هذا العيد عيدٌ؟!
لم يجب أخي الكبير بكلمات، بل عبَّر لي عن العيد بابتسامات وهمسات وأدعية وابتهالات، ومن وجهه المضيء في عتمة الأيام، وإصراره العجيب على محو الآلام عرفت أن العيد برضى الرحمن، فكل حزن وهم وكرب ومصاب يهون في رضاه، وقد قالها يومًا رسول الله: “إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي.”
وفي الختام كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك، ذو الجلال والإكرام.