“سيجد الثوار أنفسهم بعد الفوز بالسلطة أمام الكثير من الأعداء والمنافسين، أول تلك القوى هي الرأي العام العالمي، حيث ستلجأ الصحافة ووكالات الأنباء في الدول الإمبريالية المتواطئة مع النظام البائد، إلى الهجوم بشكل مكثّف على الثورة” هكذا يقول لارنستو تشي غيفارا في كتابه حرب العصابات، حيث تناول كتابه الطريقة التي آلت إليها حرب العصابات “ثورة الإسبان” في أوروبا ضد الهيمنة الفرنسية على إسبانيا، ووسائل التحشيد وتنظيم جموع الثوار والمناضلين وآلية بناء الهيكل التنظيمي للثورة.
فكيف نستطيع التفرقة بين حرب العصابات في أوروبا مطلع القرن التاسع عشر خلال حرب التحرير الإسبانية ضدَّ احتلال جيوش نابليون بونابارت لإسبانيا، وبين الثورة القائمة في سورية؟ هل نستطيع إيجاد نقاط تلاقٍ تمكننا من البذل والصمود، أم أنّ دوافع الأطراف المتنازعة متفقة إما على إحلال ما بقي من نقاط محررة وتسليمها للنظام السوري، أو هيمنة الأقوى على الموارد البشرية والمادية على حساب دماء الشعب؟
الفرق بين الحربين هو انحلال معظم التنظيمات الثورية وتسليم نقاطها للعدو “النظام”، رغم توفر الإمكانيات اللازمة للتصدي وتحرير نقاط أوسع، وذلك بسبب العمالة بين قادة هذه التنظيمات، وتهاونها في مبادئ القضية مقابل النفوذ والسلطة.
ولربما تكمن نقاط التلاقي بين حرب العصابات وثورة الشعب في بداية ثورتنا ومبادئها وأهدافها، في إمكانية تغلب القوى الشعبية على الجيوش النظامية والتصدي لها رغم كل إمكانيات الجيش واستخدامه للأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً، وأيضاً إسراعها في الحراك الثوري دون انتظارها إجماع كافة الفئات، وانطلاقها من النقاط الأضعف لحشد طاقات أكثر والسعي للانتشار بدءاً من الريف حتى المدينة.
“يراهن غيفارا على اختيار لحظة بعينها للإعلان عن الثورة، وهي تلك اللحظة التي يعتقد أن الشعب يصل فيها إلى شعور عام بالاستياء من السلطة الحاكمة، فهو يؤكد أن إعلان الثورة في تلك اللحظة، سوف يستتبعه اشتعالها في مناطق متفرقة وبشكل انفجاري لا يمكن تخيّله أو الوقوف ضده”.
لكن هناك ما هو أسوأ ألا وهي التفرقة العلنية التي تتعرض إليها التنظيمات الثورية والاقتتال فيما بينها تناحراً على السلطة والنفوذ، في وقت كانت تستطيع فيه هذه الفصائل استخدام عتادها على جبهات النضال ضد العدو، لكن كثُر الأعداء مع انعدام الكفاح الشعبي.
مقارنةً مع سياسة حرب العصابات الأوربية نجد شرخاً كبيراً في آلية الحراك بين الثورة التي سهلّت للنهضة الأوربية، وبين الحراك الذي أودى للنزاعات المتطرفة عن مبادئ وهيكلية أهداف الثورة، يقول تشي غيفارا في كتابه أنّه يتوجب على المجموعات المقاتلة احترام القادة الشجعان، فيما نرى أنّ هؤلاء القادة تجردت عنهم الصفات الحقة والمرجوة لنصرة ثورتنا.
وفي رؤية وسياسة أخرى للثائر الأوربي: “ينبغي الضرب باستمرار، يجب عدم ترك جندي العدو يغمض جفنه في منطقة العمليات، يجب مهاجمة المخافر وتصفيتها بطريقة منهجية، يجب إعطاء العدو الانطباع بأنه مطوَّق في كل لحظة، ويتم ذلك نهاراً في الأرض الوعرة الشَجِرة، وليلاً في الأرض المنبسطة أو سهلة المسلك للدوريات. يقتضي كل ذلك تعاون السكان تعاوناً كلياً، كما يقتضي معرفة كامحركات التحلة بالأرض”.
في جميع سياسته وهيكليته يُصرُّ على التماسك، ليس على حساب التطرف والاقتتال مع جماعة مثيلة، إنما ضد العدو الذي تشكلت لمحاربته هذه الجماعات، حيث أصبحت حرب العصابات تقليدًا شائعًا بين حركات التحرر العالمية والعربية، إلّا أنّ تدخل القوى الخارجية في سيطرتها على أسباب حركات التحرر في المناطق العربية لصالحها، أدّت إلى انحدار هذه الحركات وتفرقتها.
لذلك لا حاجة لتعليل وشرح أسباب وأهداف الثورة الحقيقية التي أغرقت سورية في عقر الحرب ومآسيها، بعد انحرافها عن مسيرتها وضياع قيمها، لأننا ببساطة مانزال رُضعًا للبعثية التي لقننا إيّاها النظام السوري، نردد في أنفسنا شعارات القيادة والرسالة، ومانزال سجناء لا نعرف ما معنى الحريّة، فتولّ ثورتنا قادة أضلّوها الطريق، ونجحت بذلك منهجية الغرب بالتلاعب بعواطف ودوافع الآخرين محققاً بذلك هزيمتنا وتفوقه.