يعود المبعوث الأممي إستيفان ديمستورا للظهور من جديد لرعاية الورقة السياسية التي يبدو أنها ستختزِل وتقزِّم مطالب السوريين بالحرية وتحقيق العدالة عن طريق لجنة دستورية تُتوِّج وتُنهي القضية السورية، إذ يبدو أن الوقت قد حان للبدء بتحضير طبخة سوتشي التي أُدرجت على مائدة السوريين لإطعامهم بعد جوع وحصار وقصف وتهجير طعامًا لم يعتادوا عليه، بل يصعب شمه والاقتراب منه فضلاً عن تناوله وهضمه، فالمبعوث الأممي ديمستورا بحسب بيان صادر عنه يوم الثلاثاء 13 حزيران، فإن مسؤولين كبار من روسيا وإيران وتركيا سيلتقون في جنيف يومي 18و 19 من حزيران الجاري لإجراء مشاورات مع الأمم المتحدة بشأن تشكيل لجنة دستورية لسورية!
إن دعوة ديمستورا للبدء بمشاورات اللجنة الدستورية مبنيةٌ على ما تمخض من اجتماع سوتشي بداية العام الجاري، ويبدو أن عدم البدء بتشكيل هذه اللجنة عقب انتهاء مؤتمر سوتشي والتي يجب أن تتشكل بحسب ما قيل من ثلث من المعارضة وثلت من النظام وثلث من منظمات المجتمع المدني غير المعروفة التي يرعاها ديمستورا، يعود إلى سبب مهم هو أن مسار أستانة لمَّا يُنهِ ما خُطط له من نشر لنقاط المراقبة واستكمال لرسم الخريطة الحالية، فاسُتلزم حينها الاكتفاء بمخرج سوتشي الذي نصَّ عليها وباركت ذلك حينها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأممي.
إن تشكيل لجنة دستورية وفق سوتشي تمهد لانتخابات رئاسية هو تقزيم لمطالب السوريين بل مسخ وتقويض لحقوقهم التي بذلوا لأجلها دماءهم وتشردوا، وهذا التقزيم يذكرنا بتقلص القضية الفلسطينية عبر السنين حتى انتهت بجعل القدس عاصمة إسرائيل، فالسوريين لم يثوروا لأجل تغيير دستور يُصدَّر إليهم من خارج الحدود مكتوب بأيدي من فتكوا بهم، إذ يستوجب قبل الحديث عن لجنة دستورية تهيئة الظروف لها وإثبات حسن نية من الأطراف، كتبييض السجون والإفراج عن المعتقلين وتبيين وضع المفقودين وإعادة الحقوق ومحاسبة القتلة تحت سقف الوطن وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وإلغاء الأفرع الأمنية التي ضاقت ذرعًا بالمعتقلين داخلها، وحتى لو تمَّ كل ذلك من سيجبرُ ويعوض قلب أم ثكلى وطفل يتيم وامرأة أرملة وشيخ مسكين فقد أبناءه ومدن هُدمت فوق رؤوس أهلها؟! الحديث عن بدء أولى خطوات العملية السياسية بمعزل عمَّا سبق هو تسوية القاتل مع المقتول وطي ثمانية أعوام من التضحيات كانت شاهدة على كل من ادعى الإنسانية وسن قوانين حمايتها.
إن الثورات تسرق من دساتيرها، فإذا لم توضع المبادئ التي تصون الحقوق وتحفظها عبر الأجيال سيكون الالتفاف على المكتسبات أمرًا مؤكدًا، فحذارِ التنازل عن الحقوق والمطالب التي بُنيت على الدماء والتهجير وهدم المنازل، فالتاريخ شاهد يسجل في صفحاته كل من باع واشترى على حساب التضحيات والشعب السوري الحر.