في ظل الحديث عن لجنة دستورية تمهد الطريق لكتابة دستور جديد يرضي أطراف النزاع على الأرض السورية ويقوض الحقوق والمطالب التي خرج لأجلها الشعب السوري يتبادر إلى أذهان هذا الشعب أسئلة كثيرة لا جواب عنها منذ سنوات، أولها مصير المعتقلين وحالهم، فقبل تشكيل لجنة دستورية صالحة لكتابة دستور سوري جديد يتوجب أولا تهيئة الساحة السورية لذلك بمحاسبة القتلة أولا، وإعادة الحقوق إلى أصحابها ثانيا، وتبيين مصير المفقودين وإخراج المعتقلين من السجون الذين تعدى عددهم الـ 200 ألفاً بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حيث تأتي حلب في المقدمة من حيث أعداد المعتقلين بـنحو أربعين ألفاً تليها حمص بأكثر من خمسة وثلاثين ألفاً ثم ريف دمشق بحوالي ثلاثين ألفاً، فحماة وإدلب بأكثر من عشرين ألفاً، ومن بين المعتقلين 9000 معتقل دون سن الثامنة عشرة، وحوالي 4500 امرأة.
“أم محمد الحمصية” أمٌّ لخمسة أولاد اختطف النظام السوري رجال عائلتها مطلع عام ٢٠١2 أولهم زوجها أبو محمد وابنه محمد وأصهرته أبو عمر وأبو علي المنخرطين في الثورة السورية منذ اندلاعها بحمل السلاح، استطاع النظام السوري إلقاء القبض عليهم عبر عملاء وخبراء في كمين محكم أعدّه عدد كبير من رجال الأمن والمخابرات في إحدى قرى الريف الحمصي.
تقول أم محمد: “حاولت بشتى الوسائل معرفة مكان المعتقلين، ذهبت إلى أفرع الأمن إلى المخابرات الجوية والجنائية والعسكرية والسياسية، وسألت عنهم في محكمة الإرهاب والمحكمة العسكرية في دمشق لكن دون جدوى، استغلني الكثير من سماسرة النظام الذين ازداد عددهم وتطورت أساليبهم في السنوات الأخيرة، دفعت لهم مبالغ طائلة لقاء أي معلومة عن زوجي وابني وأصهرتي لكن دون فائدة، وفي السنوات الثلاث الأخيرة أصبح مجرد السؤال عنهم خطرًا يهدد السائل بالاعتقال، لذلك لم أستطع أن أعرف مكان وجودهم أو جمع أي معلومات عنهم.”
وعن أحوال معيشتهم تقول أم محمد: “إن تأمين مستلزمات البيت ليس بالأمر السهل خصوصًا إذا كان الأمر ملقىً على عاتق امرأة لديها طفلان وابنتان لكل واحدة منهنَّ طفل، لكن معونة الله لنا كانت واضحة جلية وعنايته سبحانه أحاطتنا من كل الجوانب، فولدي الكبير اليوم بلغ من العمر خمسة عشر عامًا يعمل في محل تجارة مواد غذائية وولدي الأصغر بلغ ثلاثة عشر عامًا ويعمل أجيرًا في بيع المحروقات، أعلم جيدًا أنه من الواجب متابعة دراسة أطفالي لكن وضعنا المادي لا يسمح خصوصًا بعد أن تركنا القريب والبعيد.
أما عن الجمعيات والمنظمات الإغاثية فكنت أتلقى سلة غذائية كل شهر، بعدها أصبحت كل شهرين، وحاليًّا لا أتلقى أي دعم من أي جهة أو منظمة سواء دعمًا إغاثيًا أو ماديًا.
سبع سنوات مضت قاسيت فيها الأمرين، لا أدري إن كنت سأحضنهم أم لا، مات في قلبي ما يسمى بـ “الأمل” ولم أعد أفتش عن أسمائهم في جدول المطلق سراحهم من السجون، آمل من الله أن يتغمدهم برحمته إن كان قد توفاهم، وأسأله سبحانه أن يطلق سراحهم ويجمعني بهم إن كانوا على قيد الحياة.”
هذه العائلة نموذج من آلاف العائلات التي تعاني من شبح الاعتقال، فأبناؤها في المعتقلات إلى الآن وهم بحكم المفقودين ومثلهم الكثير، فعن أي لجنة دستورية يتكلمون؟! بل إن الأشد قسوة استمرار اختلاف المعارضة في التمثيل ضمن اللجنة!