في غرفتي كانت الجدران الأربعة يتكلم أحدها إلى الآخر، وحين أغلقت الباب بقوة صمتوا، فجأة فزع المفتاح النائم في ثقب الباب ووقع أرضًا، اهتزت صورة أخي الشهيد وارتمت على قفاها فوق طاولتي الصغيرة التي باتت تشبه المقبرة، فكل الصور على سطحها لشهداء أحبهم، حملت صورة أخي بين يدي بحنان كأني أعانقه، كان مبتسمًا كعادته وعيناه تشعان صفاء وطيبة، شعرت كأنه يكلمني! أضاء فجأة المصباح المدلى من سقف الغرفة كأنه شمس أشرقت في قلب ليل،
مرت لحظات خلتها ساعات، اقتحم قلبي الحزين شعور مبهج، وببطء استولت غيمة حمراء على المكان تسللت من النافذة المفتوحة! خزانة ملابسي لمحت تعجبي فقالت: “غيمة حمراء يسكنها دم الشهداء” وحين أمطرت كان الدم حقيقيًّا زكي الرائحة! غادرت الغيمة مسرعة، كان عليها أن تمطر في بيوت كثيرة.
في صباح اليوم التالي دخلت أمي غرفتي، كنت على سريري نائمًا وقد غفت صورة أخي الشهيد على صدري، أيقظتني أمي مندهشة: “ما سر تلك البقع الحمراء في كل مكان؟! كأنها بقع دم!”
ابتسمت دون جواب، ومن يومها تغير كل شيء في غرفتي.
التزمت الجدران الأربعة صمتًا قاتلاً، واختفى المفتاح الذي سقط أرضًا، النافذة عانقت الجدار فاحتواها بحجارته واختفت بين أضلعه، والمصباح لم يعد يضيء، وخزانة ملابسي تقشر طلاؤها البني كأنها قادمة من زمن بعيد، أما طاولتي فصارت سماءً صغيرة جدًا، وتحولت صور شهدائي الذين أحبهم إلى نجوم براقة! لم يبقَ لي سوى بقع دم مبعثرة في أرجاء غرفتي، وكلما دققت فيها ألمح وجه شهيد فأغوص معه في بقعة حمراء صغيرة فيتسع كل شيء ويغدو مبهجًا، وحينها أشعر بالحرية كأني عصفور يطير في عالم جديد.