إننا في الثورة اليوم على أعتاب نكبة أرْخت ظلها الثقيل على أهلنا في درعا، لذا أجد نفسي مضطرًا لارتداء القبعة السوداء من قبعات التفكير الست، لأخبركم ما بات معلومًا بالضرورة أن الكارثة حقيقية وتحصل لنا نحن دونًا عن سائر الشعوب.
أول خطوات علاج المشكلة هي الاعتراف بوجودها، لذلك الهروب من الواقع المرير إلى مخدر الأمل الزائف لن يفيد في الحل شيئًا، أستطيع بسهولة تسويد عشرات الصفحات ببطولات ومآثر ومدائح أهل حوران، وهم أهل لذلك، لكن فعليًّا هذا لن يغير شيئًا بميزان القوى، نعم الشجاعة والبطولة والتضحية عوامل تدخل في تعديل كفة الصراع العسكري، لكنها ليست لوحدها قادرة على حسم الصراع، هناك أيضًا عوامل أخرى أشد أهمية كالانضباط القيادي، والقوة النيرانية، وكفاءة التخطيط العسكري، والموارد، وغير ذلك، وهنا يتجلى قول الله تعالى: ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل “
علينا الاستفادة من درس درعا لأقصى حد، ولعل أهم استفادة نحصلها معرفة الأسباب التي أدت للكارثة، وأهمها الثقة الساذجة بالحلفاء والداعمين، والتشرذم، وعدم محاربة المفسدين والضفادع واستئصال شأفتهم، وترك القيادة لغير الجديرين الذين تولوها بدعم من جهات خارجية، وخذلان إخوانهم في داريا والغوطتين وجنوب دمشق.
في الشمال تعاد القصة الحزينة نفسها، فالثقة المفرطة بتركيا جعلتنا نفقد هويتنا الثورية، ونتكاسل في معركة الإعداد والاعتماد على النفس، متناسين أن من يدعم الثورة السورية هو طرف سياسي تركي استطاع بالكاد النجاح بانتخابات شعبية نزيهة، وأفلت وما كاد من براثن انقلاب عسكري مدعوم دوليا، فالقواعد التركية أتت بظروف سياسية متغيرة، ومتشابكة، وقد تتغير وتتشابك أكثر وتُسحَب من سورية، إذًا حل القواعد التركية ومناطق الحماية على المدى البعيد غير مضمون.
المضمون هو خلق حلفاء جدد إقليميا ودوليا، مع عدم التسليم الكامل لهم، والاعتماد على الذات في خلق الاكتفاء الثوري من جميع المجالات.
بعد تثبيت هذه البدهية السياسية لدينا، علينا أن نعمل على انتخاب قيادة ثورية في كل المجالات ومن أصحاب القوة والأمانة لإيصالنا إلى بر الأمان.
وإلى الحالمين التائهين في عوالم الأمل الواهم، والمدن الفاضلة، والخيالات اللازوردية، الذين يظنون أن الله سينصرنا بمعجزة ما لأننا مؤمنون فقط، فأنا أسألهم أين أفادنا الأمل في النكبات التي حلت بنا من حمص القديمة مرورًا بحلب وداريا وانتهاءً بجنوب دمشق؟!
لم تأتِ الطير الأبابيل، ولا نزلت صاعقة أحرقت بشار، لأن من يفقه سنن الله يعلم أن إغراق فرعون كان آخر تدخل إعجازي إلهي في قصم الجبابرة، ثم أصبحت السنن من بعدها إعداد وجهاد ومجاهدة واستشهاد.
يقول خالص جلبي في كتابه القيم مفسرا السلوك الانهزامي في توقع تدخل المعجزات لحل مشاكلنا: “إن افتراض حصول تغيرات كونية عظيمة خلاف سنة الله أسهل علينا من مراجعة أنفسنا “
ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سيجد أن الصحابة خير البشر بعد الأنبياء، ومعهم خير خلق الله وأعظمهم عنده، قد حسبوا حساب انهزامهم في بدر، فبنوا العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون موقع آمن له يشرف منه على المعركة، ويوفر له انسحاب آمن في حال دارت الدائرة عليهم، فمن نحن اليوم حتى نسقط من حساباتنا حصول الهزائم والانتكاسات؟!
أما بخصوص أهلنا في درعا فأذكرهم أن ضريبة الاستسلام أكبر بكثير من ضريبة الكفاح والجهاد، فلا حل لهم إلا بمواصلة القتال لآخر رمق، فقوتهم على الأرض هي من يجعلهم يفرضون شروطهم على الطاولة، فإياكم أن تثقوا بشياطين الإنس من الحلفاء والداعمين، واحذروا يا أهل حوران كل الحذر من مكائد بني صهيون، فهناك خطط لهم لاستغلال نكبتكم من أجل تحويل أبطالكم لحراس حدود للكيان الصهيوني كما كان جيش لحد الخائن في لبنان.
وبعد أن ينهي النظام درعا، الكل يعرف أنه سييمم وجهه شطر الشمال، فماذا أعددنا للمواجهة غير التخوين والمزاودات وتراشق التهم؟
سيرى الكثيرون في المقال أنه متشائم، ويحبط المعنويات، لكني أذكرهم أن الدواء قد يكون مرا أحيانا، وأن السموم دائما ما تمزج بأطايب الطعام.