يعيش المدنيون في محافظة إدلب وأريافها المحيطة حالة من القلق والتوتر بعدما كشف مفاوضون روس عن وجهتهم القادمة (إدلب) لفصائل المعارضة في درعا عندما طرحوا خيار التهجير إلى إدلب كونها حاضنة المهجرين الرافضين لسطة الأسد ونظام المصالحات.
بعيداً عن غرض هؤلاء المفاوضين من الذي قد يهدف إلى كسب المزيد من المصالحين لضمهم للفيلق الخامس الروسي ورفد جيش الأسد بقوة بشرية فإن سيناريو روسيا في إدلب ليس أقل تعقيداً من درعا (الذي لم ينتهِ بعد) وذلك لعدة أسباب.
فروسيا والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تنافس الروس على الكعكة السورية تريد إقصاء إيران عنها بشكل كامل، فبعد أيام سيلتقي ترامب وبوتين، ورجَّحت و سائل إعلام كثيرة أن الوجود الإيراني في سورية سيكون محور الحديث، وهو ما قد يفقد الأسد والروس مصدرًا كبيرًا للمقاتلين والمرتزقة، وستكون بالتالي مهمة استعادة إدلب من قبل روسيا (في حال التوافق على إخراج إيران) أمراً بالغ الصعوبة خاصة في ظل تهديد إسرائيلي مستمر للوجود الإيراني وارتفاع حدة الصراع الإيراني الأمريكي في المنطقة.
كما أن بقية الشركاء الأوروبيين لا يزالون يعانون من مشاكل سياسية واقتصادية تهدد وحدتهم بسبب ملف اللاجئين الذي من الممكن أن يتسبب بهجرات جديدة نحو أوربا في حال اجتياح إدلب التي يقطنها ما يقارب الأربع ملايين إنسان.
أما روسيا وتركيا فإنهم في علاقاتهم الدبلوماسية يمسكون العصا من المنتصف في ملفاتهم الإقليمية المشتركة ولا يريدون تكرار تجربة القطيعة عندما أسقطت تركيا طائرة روسية، لذلك ستدفع موسكو نحو إشراك تركيا في معالجة الموقف شمالاً وهو ما تسير عليه أستانة الآن لأسباب جيوسياسية وأمنية متبادلة بين الطرفين.
كما أن تصريحات وزير الخارجية التركية عن إمكانية حماية إدلب عسكرياً وانهيار محادثات أستانة في حال شنَّ الأسد وحلفاؤه معركة ضدها تستدعي من روسيا تقديراً لأنقرة عن دورها السياسي في الملف السوري الذي لا يمكن حلحلته إلا بمشاركتها لما تملكه من نفوذ على قوى المعارضة على الأرض.
وأضف إلى ذلك المصالح الروسية التي تربطها مع تركيا سواء بالطاقة أو الأسلحة وغيرها التي لا تريد موسكو إضعافها باضطرابات أمنية وسياسية وعسكرية لتركيا على حدودها قد تدفع الملايين من المدنيين من اللجوء نحوها.
أما إيران وتركيا فتسعى طهران للتوسع في مشاريعها، وشكلت مع روسيا وتركيا منطقة خفض التصعيد غير أن هذه المنطقة الآن باتت مهددة من قبل الإيرانيين أكثر من كل مرة بحجة فك الحصار عن كفريا والفوعة ومحاربة التطرف.
الظروف الدولية الآن لا تسير في صالح الإيرانيين وبات قطاع النفط مهدداً بالحصار الأمريكي الذي فرضه ترامب بالتزامن مع انهيار عملتها الوطنية واستمرار بعض المظاهرات في مدنها مما دفع بسياساتها لتكون أكثر قرباً من أنقرة و موسكو، فتركيا أعلنت مؤخراً عدم رضوخها لمطالب ترامب بمقاطعة النفط الإيراني، كما أنها تدعم سياسات طهران الداخلية والخارجية المتعلقة بملفها النووي رغم وجود خلافات حول سورية، إلا أن الإيرانيين لا يطمحون لتحدي الروس و الأتراك في هذه المرحلة، لذلك قد لا تشكل ميليشياتها تهديداً للمحافظة إلا بحال التوافق الثلاثي.
أما المعارضة فلا بد أن تعيد ترتيب الصفوف وتوحيد غرف العمليات لمواجهة النظام في آخر بقاع الثورة، فالسيناريوهات قد تتحول فجأة وتتغير لأنه في عالم السياسة لا يوجد ثابت سوى المصلحة.