منذ فترة مررت بجانب بعض الكنائس في حلب ورأيتهم قد وضعوا العديد من الألعاب الجماعية مثل كرة الطاولة وكرة القدم وغيرها من أساليب الترفيه في ساحة الكنيسة الخارجية، كما قاموا بنصب بضع طاولات وُضع عليها العصير البارد والمأكولات الخفيفة والحلويات الجاهزة، بل وقاموا بتشغيل شاشات كبيرة في بهو إحدى تلك الكنائس لعرض مباريات كأس العالم المقامة الآن في روسيا، وقد عرفت ذلك من خلال صيحات المشجعين العالية الممزوجة مع أصوات المعلقين المسموعة بوضوح للمارة بجانبها.
قلت في نفسي لعل هذا الشيء جاء لاحتفال خاص بهم في ذلك اليوم فقط، فتعمدت المرور بجانب تلك الكنائس في أيام مختلفة؛ فوجدتهم يقومون بالأمر نفسه كل يوم تقريبًا بعد العصر بساعة تقريبًا، وذلك سعيًا منهم لجذب الشباب إلى كنائسهم التي هجروها، وإعادة الروابط بين الشباب والدِّين، ولم يكتفوا بذلك، فقد علمتُ من بعض جيرانهم أن الفعاليات الاحتفالية لا تقتصر على الداخلية فقط، حيث يقومون أيضًا بعمل رحلات مستمرة بشكل أسبوعي أو نصف شهرية إلى مناطق أخرى كالملاعب والمسابح، بل ورحلات تصييف وتخييم في الجبال الساحلية أو إلى لبنان.
عاد بي ذات المشهد إلى السنوات التي كنا نعاني فيها بشدة من نقص الكهرباء وقلة الوقود بين عامي 2014-2015م عندما كنت أشاهد إحدى تلك الكنائس، بجانب جامع التوحيد تحديدًا، وقد قاموا بتشغيل المولدات الكبيرة بغرض إنارة كامل ساحتها لتأمين بيئة التسلية المناسبة لمرتاديها لتخفيف أثر القصف والقذائف الذي كان على أشده تقريبًا، وكان يمكن من خلال السور رؤية وسماع العشرات من شبابهم وشاباتهم وهم يمارسون نشاطاتهم المختلفة، في المقابل، وعلى بعد أقل من عشرين مترًا من هذه الكنيسة كنا نصلي العشاء في عتمة شبه كاملة، إذ لم يكن ثمة إضاءة تكفي إلا لرؤية بسيطة، وكان المسجد شبه خال من أي شاب ومصلٍّ إلا من صف واحد من كبار السن تقريبًا!
حتى ما قبل الحرب السورية، كنتُ إذا حضرتُ حفلات تخريج حفاظ القرآن مثلًا وجدتُ نمطًا احتفاليًا متكررًا سائدًا في أغلب المعاهد والمساجد، إلا ما رحم ربي، حيث يتم تجهيز بعض الكراسي لجلوس المشايخ في صدر المكان، وجلوس الطلاب على الأرض أو على كراسي مقابلهم، وإحضار فرقة للإنشاد، علمًا أن أغلب الطلاب، وكثيرٌ من المشايخ أنفسهم، لا يفهمون كثيرًا من كلمات تلك الأناشيد وإن كانوا يتمايلون عليها لإيهام السامعين بتفاعلهم معها، ومن ثم توزيع هدايا وضيافة على الحاضرين في ختام الحفل.
هل خلا الإسلام من طرق الترفيه والتسلية والاحتفال سوى هذه؟! أليس في ديننا فسحة كبيرة لتسلية الأطفال والشباب لا سيما وأن المحرمات فيها قليلة والباقي كله مباح؟! ومن المسؤول عن جعل احتفالاتنا أشبه بجنائز؟! ماذا سيفهم الشاب الصغير من أناشيد مثل: (هي شمس بدت في الظلال) أو (ليلى عليَّ الهجر طال) أو (هتفَ فيَّ الفؤاد) أو (أَبرقٌ بدا من جانب الطور) أو غيرها من أناشيد الشوق والوجد والغرام والهيام و(الحضرات)؟!
لماذا لا يكون لدينا نشاطات احتفالية مشابهة لما تفعله تلك الكنائس، بل وأفضل منها، وبما يناسب ضوابطنا الشرعية؟ ألم يتسابق النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة فسبقها وسبقته؟ ألم يكن الصحابة يمارسون شتى أنواع الرياضة من مصارعة وسباق خيل وتبارز في رمي الرماح والسهام أمامه صلى الله عليه وسلم؟ ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشاهد الأطفال وهم يلعبون في الطرقات فيوجههم فيما لا ينبغي لهم اللعب فيه ويتركهم فيما عدا ذلك؟
كما يجب علينا عدم حصر تلك النشاطات، إن وُجدت أصلًا، في طلاب المعاهد أو المساجد، بل يجب أن تشمل شباب الحي كافة دون اشتراط تسجيل في معهد أو مدرسة، وأن تقام بشكل دوري لنعمل سوية على استقطابهم من الشوارع وما فيها من آفات ومحاذير، لأنهم أولى بأن تُحبب قلوبهم بالمساجد فلعل تلك النشاطات تساهم في تنمية حسهم الشرعي فيتمسكوا بدينهم شيئًا فشيئًا.. والله تعالى أعلم.
1 تعليق
غسان
ممتاز..
ولكن الاسلام كما هو معروف ليس كما عهدناه في عهد الاسد
وفي عهد الثورة مساجدنا غير والحمد لله