تحقيق : فارس الحلبي لا تسأل العاملين في مجلس مدينة حلب عن رواتبهم وأجورهم، ففي وجوههم البائسة وأياديهم المرتعشة شاهد عن الخبر، فعلى الرغم من عملهم في ظروف قاسية وأجواء قارسة فإن المتحكمين بلقمة عيشهم أرادوا أن يختبروا قوة صبرهم واحتمالهم فقطعوا عنهم مستحقاتهم، ولما اشتد الامتحان وطال الصيام أفطروهم على قشر البصل لا البصل.فما هي المشاكل التي يعاني منها العاملون الذين انقطعت رواتبهم وكيف يعيشون في ظروف الفاقة والغلاء؟ ومن هو المسؤول الذي يتحكم برواتب هؤلاء المجاهدين؟للوقوف أكثر عند هذا الموضوع قامت صحيفة حبر بلقاء عدد من العاملين في مجلس مدينة حلب، ويخبرناأبو أنور وهو عامل نظافة في مجلس مدينة حلب عن معاناته فيقول:تأخير الرواتب أدى إلى انقطاع المصروف عن عائلتي ممَّا دفعني إلى الاستدانة، فتراكمت الديون، بسبب انقطاع الراتب مدة ثلاثة أشهر، بحثت عن عمل آخر بأجرة قليلة محاولا أن أسدِّد ديوني التي أثقلت كاهلي، في حين تبقى رواتب من يمثلون المعارضة في الخارج مستمرة ولم تتوقف يومًا واحدًا، أودُّ أن أسألهم ما الفرق بيننا وبينكم؟!ويضيف أبو ياسين وهوعامل في قطاع الخدمات التابع لمجلس مدينة حلبإنَّ سبب تأخير الرواتب أو عدم دفعها سياسي حتماً، لاستغلال حاجتنا وتنفيذ ما يطلبه الغرب والشرق.أنا الآن أعمل بعد الانتهاء من وظيفتي، والذي دفعني إلى العمل هو عدم قدرة المجلس على دفع الرواتب وحاجة أطفالي للطعام وزوجتي للعلاج لأنَّها مصابة بسبب قصف منزلنا في رمضان الماضي.ويقول أبو عبد الله وهو عامل في المجلس المحلي لمدينة حلبيجب على المجلس المحلي أن يراعي ظروف العاملين فيه، وأن يكون لديه حساب احتياطي لدفع الرواتب في حال انقطاعها، وذلك يكون عن طريق المشاريع التنموية التي تخرج أرباحاً للمجلس، وعمل خطة مدروسة للرواتب على الأقل لمدة 10 شهور.لقد بحثت كثيراً عن عمل خارج دوامي فلم أجد بعد، ممَّا يجعلني أبحث مضطراً عن الجمعيات الإغاثية لتساعدني في إطعام أطفالي.وقد توجهت صحيفة حبر إلى المكتب المالي في مجلس المدينة والتقن هناك الأستاذ محمد سندة الذي افتتح الحوار بالتعريف عن المجلس قائلا:تجربة المجالس المحلية في سورية تجربة وليدة وناتجة من سبب وجود فراغ في العملية الخدمية في المدينة، ومجلس محافظة حلب هو التجربة الأولى على مستوى سورية.فمجلس مدينة حلب يعتبر مركز المحافظة وهو الذي يلي مجلس محافظة حلب من حيث التراتبية الإدارية مباشرة، ويضم عدة قطاعات موجودة فيه، ويشغل عدة خدمات منها النظافة والكهرباء والمياه والصرف الصحي وبعض الخدمات التعليمية والصحية.ومجلسا المحافظة والمدينة منتخبان من قبل الهيئة العامة المؤلفة من شخصيات ثورية مستقلة ومجالس أحياء وممثلين عن بعض الهيئات الثورية.طبعا العلاقة الإدارية من المفروض أن تتوصف لكنَّها غير موصفة بشكل دقيق، إذ من المفترض أن تكون المجالس المحلية تابعة بشكل مباشر إلى الوزارة المحلية في الحكومة المؤقتة. لكن الحكومة المؤقتة تعاني من ضعف مالي، ممَّا يحول دون القيام بواجبها تجاه المجالس المحلية بشكل فعال، وإلى الآن لم تصدر موازنات مستقلة لمجالس المحافظات والمدن التي تقوم بالخدمات على الأرض، فعلى سبيل المثال مجلس مدينة حلب وهو مؤسس من تاريخ 3/3/2013م إلى الآن مستمر بجهود الحكومة المؤقتة وجهود جهات داعمة أخرى، لكننا لا نضمن استمرار الجهات الداعمة الأخرى بدعم المجلس، وهذا ما حصل في الآونة الأخيرة، فعندما بدأت حملة البراميل على مدينة حلب في بداية عام 2014م كان لدينا عدة جهات داعمة تدعم المجلس المحلي، والتي كانت تدعم بشكل مباشر قطاع النظافة، ولكنها غادرت البلد بسبب حملة البراميل ممَّا سبب بعض الفراغ في المجلس وأدى إلى عجز مالي متراكم ظهرت نتائجه في الشهرين 11-12 لعام 2014 ولغاية هذا الشهرالذي نحن فيه من عام 2015ممن المسؤول عن تأخير الرواتب منذ البداية وانقطاعها نهائياً في هذا الوقت؟عندما انقطع دعم المنظمات الداعمة ظهرت هذه الفجوة في المجلس، حيثمن المفترض أن يكون هناك موازنة واضحة لدعم المجلس المحلي، هذه النقطة نشدد عليها بقوة من أجل ضمان استمرار الخدمة.ومجلس مدينة حلب مؤسسة ثورية يهمنا استمرارها بطريقة خدماتها ككيان واضح على الأرض. وهذه مسؤولية المحكومة المؤقتة، إذ يجب عليها دعم المجالس المحلية بشكل فعال، نحن الآن متفائلون بالتشكيلة الوزارية الجديدة ونخص بالذكر وزارة الإدارة المحلية.طبعاً بشرط دعم الحكومة المؤقتة، لأن الحكومة تعاني من عجز مالي، إذ لا يمكن لها أن تستمر إذا استمر العجز، وهذا سينعكس بشكل مباشر على المجالس المحلية.هل فشلت الحكومة المؤقتة بتأمين رواتب موظفيها في الداخل مع استمرار دفع رواتب موظفيها في الخارج؟الحكومة المؤقتة إلى الآن لا تعترف بموظفي المجلس المحلي بأنَّهم موظفون لديها، وإننا نطالب بتوقيع عقود مباشرة مع موظفي المجلس المحلي وإيجاد سلم رواتب موحد، هذا السلم الذي بدأت به الحكومة المؤقتة ولم ير النور إلى الآن، نطالب وبشكل عاجل بتطبيق مبدأ العدالة بين موظفي الحكومة المؤقتة بالخارج والداخل، لكن شريطة تثبيتهم موظفين لديها.منذ يومين نشرت بعض المواقع ثبوتيات وأسماء لموظفين غير رسميين في الحكومة المؤقتة يقبضون رواتبهم دون عمل، وثمَّة بعض رشاوي التوظيف وغير ذلك، فما ردكم؟هذا شأن يخص الحكومة المؤقتة نحن في المجلس المحلي لمدينة حلب معنيون بالشأن الداخلي للمدينة، والحكومة المؤقتة أدرى بحل هذا الموضوع.تُعتبر الحكومة المؤقتة في نظر الناس حكومة نهب لما يُقدم من دعم للشعب السوري، ما رأيكم؟الحكومة المؤقتة تعاني من سوء صرف الموارد المالية من حيث المواد العينية والرواتب، وهناك فرق كبير بين رواتب الموظفين بالخارج والموظفين بالداخل، وفي الفترة الأخيرة سمعنا بتعويض 15 ألف دولار لكل وزير انتهت مدته هذا الكلام من باب عدم ترشيد الموارد المالية وهناك تقارير تتكلم على سوء استخدام الموارد.سمعنا أنكم اجتمعتم مع الحكومة مؤخرا فما هي نتيجة اجتماعكم؟اجتمعنا مع الدكتور أحمد طعمة من أجل دعم المجلس المحلي لمدينة حلب، وكانت نتيجة الاجتماع دعم المجلس بمبلغ 30 ألف دولار، طبعاً هذا المبلغ لا يغطي سوى حوالي 40% أو أقل من رواتب شهر واحد فقطإنَّ الحكومة المؤقتة تعاني من عجز مالي، وهي موعودة بدفعة مالية من قطر بانتظار قدومها من أجل تخصيصها للوزرات، ولكي نستفيد من هذه المنحة.ذكرت بأنَّ الحكومة تقع في عجز مالي لكننا من زاوية أخرى نرى بأنَّ هناك ترفًا في الحكومة بالخارج، لاسيَّما قيمة الرواتب التي تدفع والمكافآت التي تقرر أن تدفع والفنادق وتوابعها، ما هو تعليقك؟أشرت منذ قليل بأنَّنا نطالب بالعدالة، مثلاً المديريات التي تطلقها الوزارات في الداخل كمديرية الصحة أو التربية أو أية مديرية أخرى في الداخل يجب أن يطبق عليها سلم رواتب موظفي الحكومة المؤقتة في الخارج ويعتبروا موظفين بشكل مباشر في الحكومة المؤقتة، وثمَّة ارتباط بين الوزرات والمديريات، ولكننا نطالب أن يكون الارتباط بالمجالس رسميا ووثيقا وأن تكون العدالة على كافة المستويات، فمن يعمل في الخارج داخل الحكومة لديه بدل سكن وبدلات أخرى، في حين من يعمل في الداخل يجب أن يكون له تعويض أو بدل مخاطرة وهذا البدل قد يكلفه حياته أحياناً وهذا خلل بموضوع العدالة بشكل كبير.هل هناك لجنة تعمل على تحقيق هذه العدالة؟هناك لجنة قامت بوضع مشروع لنظام رواتب على مستوى سورية سواء المجالس أم الوزارات، ولكنهم لم يستطيعوا تطبيق هذا المشروع لعدم وجود سيولة مالية تغطيه، حتى أنَّ دعم الحكومة دعم ضعيف جداً، فالحكومة المؤقتة انطلقت بـ 50 مليون يورو فقط، وهذا المبلغ يجب أن يوضع في صندوق الطوارئ، وعلى الأقل أن يكون لديها دعم بمقدار مليار يورو لكي تعمل.هل هناك خطة زمنية واضحة لإنهاء هذه الأزمة التي يعيشها المجلس؟العجز المالي سبب، ولكن المجلس المحلي يجب أن يبحث عن موارد ذاتية في حال حصول أي عوائق أو مسببات تمنع وصول رواتب العمال، وهناك عدة مشاريع مطروحة ولكن تنتظر التمويل، و ليس هناك مدة محددة لهذا الموضوع.لقد تبرع أحد عمال النظافة بمبلغ مالي للمجلس المحلي، فهل هذا يسركم؟ نحن في ظل ثورة والمفروض من الجميع تقديم التضحيات اللازمة فهذا واجبنا جميعاً، إننا نثمن هذا العمل ونشكر كل من قام به، فهو ينم على مسؤولية وحس عالٍ جدا ولكن نريد أن يكون لنا موارد ذاتية ونسعى إلى تنمية هذه الموارد من أجل سد عجز معين، لدينا 95ألف دولار رواتب شهرية في المجلس المحلي لمدينة حلب تغطي حوالي 613 عامل وموظف، هذه الكتلة نسعى إلى تأمين جزء منها عن طريق الموارد الذاتية.لكن من قام بهذا العمل له الفضل ونشكره على هذه المبادرة ونسعى إلى ترميم هذه الثغرات الموجودة.كلمة توجهها إلى العمال الذين ثبتوا في عملهم على الرغم من عدم دفع رواتبهم؟هناك من ينظر إلى الثورة على أنَّها ثورة مسلحة فقط، في حين أن الثورات بشكل عام لا يمكن أن تأخذ قطاعا واحدا فقط إنَّما يجب أن تسير بجميع نواحي الحياة، من جهاد وتعليم وخدمات، ولسان الحال أفصح من التعبير عنه، فالله سبحانه وتعالى سخَّر لهذه الثورة خيارها في الصدق والصبر، وإخوتنا في المجلس المحلي لمدينة حلب هم عنوان وأهل لكل مكرمة، فما عاشوه في الآونة الأخيرة من محنة عصفت بهم ولاتزال خير دليل وبرهان على إيمانهم ببناء وطنهم رغم أصعب الظروف و أقساها حتى على حسابهم الشخصي، أسأل الله العظيم أن يبارك لهم فيما قدموه ويقدمونه وأن يجعله في ميزان حسناتهم وأن يرزقهم من فضله.