ممَّا لا شكَّ فيه أن ما يمرُّ به المسلمون الآن مِن أيام سوداء حالكة، خصوصًا فيما تبقى مِن سورية، مِن أهم الأسباب التي تدفع كثيرًا مِن الناس لليأس الشديد لا سيَّما وأنَّ المصائب والشدائد تترى على المسلمين مِن غير بارقة أملٍ، وتكرار تلك الإحباطات المتتالية قد يدفع الناس إلى سلوكِ ما لا تحمد عقباه.
لكن علينا أن نعلم أن مِن أهم وظائف الشيطان، بعد إغواء البشرية، إدخالُ الحُزْنِ إليهم ليزيد في شقائهم ويأسهم، قال تعالى: “إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا“، ولما كانت الدنيا قد بُنيت وجُبلت على البلاء والفتن وما تسببه من الهموم وأحزان، فإن الشيطان سيعمل جاهدًا لاستغلال هذه الظروف حتى يزيد من تعاسة المسلمين.
ولمنع ذلك لا بدَّ أن نعلم أن الحُزنُ في القرآن لم يأتِ إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا كقوله تعالى: “ولا تهنوا ولا تحزنوا“، وقوله تعالى: “ولا تحزن عليهم“، بل وكان مِن أوراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة منه بقوله: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن..“. رواه البخاري.
وسببُ هذا أن الحُزن يُضعف القلبَ بشكل مباشر ويُنهكه ممَّا سيؤدي بكل تأكيد إلى تباطؤ حركة الإنسان الإيجابية مع مصاعب الحياة ومشاقِّها، وربما يوقفها كليةً، وقد عبَّر ابن القيم عن ذلك بقوله: “وسرُّ ذلك أن الحُزن موقف غير مُسيَّرٍ، ولا مصلحةَ فيه للقلب، وأحبُّ شيء إلى الشيطان أن يُحْزِنَ العبدَ ليقطَعَه عن سَيْره، ويُوقِفَهُ عن سُلوكه“. (مدارج السالكين، 1: 501).
على أن الحُزنَ المنبوذَ هو ذلك الذي يجعل المسلم يعيش في ضنك وضيق ، وقد يقوده إلى اليأسِ والقنوطِ مِن رحمه الله، وهذا حال أقرب للكفر منه للإيمان لأن الله تعالى يقول: “وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“، أما الاهتمام بأمر المسلمين، والتأثر بما يصيبهم، وعدم الرضا عن الكوارث التي تُلم بهم فهو مِن ممدوحات الشريعة الإسلامية، لأن ذلك أسَّ مِن أساساتها لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى“. رواه مسلم.
كما أن اليقين بأن الهموم والأحزان مسألةٌ شائعةٌ يساعد على تجاوزها، لأن الكثير يظن أن غيرهم غير مبتلًى أو أن مصائبهم أشد مِن سواهم، وهذا غير صحيح ألبتة، إذ لا شكَّ أن كل إنسان لديه ما يكفيه من المشاكل والصعوبات التي قد تختلف شدتها بحسب استعداد كل إنسان، كما أن ظهور تأثيرها يختلف من إنسان لآخر تبعًا لدرجة إيمانه، لذا فعدم معرفتك بتلك الصعوبات لا يعني عدم وجودها عند غيرك.
وختامًا، لا بدَّ من الإيمان أن الصبرَ قرينُ الابتلاءِ لقوله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ“. رواه أحمد وأبو داود بسند حسن لغيره.
فاللهم أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين، وقُرَّ أعيننا بالانتقام من الظالمين في الدنيا ويوم الدين.. اللهم آمين.
والله تعالى أعلم.