مئات القتلى وعشرات الجرحى خلفتها يد داعش في مناطق الطائفة الدرزية، وتكفلت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري بتغطيتها بطريقتها المعهودة على أنها يدُ الإرهاب ومن خلفها الداعم الصهيوأمريكي الذي يهدف لكسر عزيمة إرادة الوطن والنيل من كرامته.
لكن الحقيقة التي لم يذكرها الإعلام الرسمي أن الأسد والروس اصطدموا بأهالي جبل العرب عندما أرادوا تطويعهم في الحملة العسكرية على أهلهم وأخوتهم في درعا وقد أعلنوا لوفد روسي رفضهم المشاركة بقتل السوريين من خلال دعم قوات (النمر) في تلك الحملة.
ذلك الموقف دفع الروس لاتهام قوات شيوخ الكرامة، وهو تنظيم عسكري من أهالي الطائفة الدرزية لغرض الدفاع الذاتي، بالإرهاب، ما دفع شيوخ العقل لإصدار بيان استغربوا فيه من دولة احتلال ترعى الإرهاب أن تتهم من يدافع عن أرضه وعرضه بالإرهاب.
هذه التطورات كان الأسد يتعامى عنها بسبب الظروف السياسية والعسكرية، لم تعد بعد إنهاء ملف درعا تشكل أرقاً لأركان حكمه، بل كان لابدّ من تطويع الجنوب تماماً، ولم يعد تسويق النظام لنفسه كحامي الأقليات مهماً في هذه المرحلة، فبدأ بالأقلية الدرزية الأكثر تمرداً بالمقارنة مع بقية الأقليات لإعادتها إلى حظيرته وتطويعها في هيكلية نظامه وأهدافه، ليعيد سلطته على سورية كلها.
إن نفي تهمة المشاركة في هذه الجريمة عن النظام لا يبعد فرضية التواطؤ والتسهيل لعشرات الدواعش عبور القرى بعمق عشرات الكيلومترات بمناطق يحرسها (الجيش الباسل) وارتكاب مجازر تحقق له لذة الانتقام وإيجاد المسوغ لقمع ذلك الهامش البسيط من الحرية الذي حصلت عليه الطائفة والسويداء خلال السنوات الأخيرة.
إن الرسالة التي أوصلها الأسد ليست للأقلية الدرزية وحسب، بل لكل الطوائف الأخرى التي أظهرت ولاءها لنظامه أو فضلت الحياد، وسعت في الوقت نفسه لانتزاع القليل من حقوقها وكرامتها التي تاجر بها ولايزال يغتصبها حتى الآن.
فمراهنة الحياد الخجولة التي أعلنتها هذه الأقليات خلال الأعوام الماضية كانت في ميزان الساحة السورية عامل ثقل في كفة الأسد بدأ اليوم ينفض عنه آثارها، بل بدأ يحاسبها على جرأتها في أن تحيا بعيداً عن بركة الدم التي يصنعها دون أن تشارك فيها بسيادية إجرامية معلنة.
كما أن الرسالة في بعد آخر موجهة لكل من دخل منظومة المصالحة التي قد يكون الأسد مكره عليها لأسباب سياسية وإقليمية من قبل روسيا التي لا تزال تحتفظ بهامش من الحرية المماثلة لتلك الأقليات في عدة جيوب ومناطق على الخريطة السورية التي يعدُّها إرهابية، وإن خضعت شكلياً لنظامه فليس هناك حياد عن القتل دون إظهار فروض الطاعة العمياء والولاء الأبدي.
إن الديكتاتورية التي تتغذى على شهادات الوفاة من دوائر النفوس لن تتصور يوماً وجود من يصدح بحقه ويتشبث بثرى أرضه ليحيا عليها حراً، ولن يتقبل من يشاركه أدنى مستويات السلطة ولو في دائرة قرية نائية.
أما الرسالة في بعدها الثالث فهي بعيدة الأمد لقوى المعارضة التي قد تُجبر يوماً ما على قبول تشارك السلطة بحدودها الدنيا معه، فالنظام لن يقبل هذا الوضع ضمناً وإن رضخ له شكلاً، وسيستمر باستخدام أوراقه السوداء وستبقى داعش مفردة حية في قاموس الأسد والعكس صحيح، لأن الباطل والظلم يستمدان سوادهما من بعضهما.