رست قافلة مهجري الجنوب السوري في الشمال المحرر التي هي أشبه بقافلة نبي الله “نوح” عليه السلام التي لم يصعد إليها إلا المؤمنون بالله، إذ لم تحمل الباصات الخضراء إلا ثلة من الثوار الصادقين الرافضين الدخول في معسكر النظام ومن معه.
بعد إغلاق ملف الجنوب السوري باتت كل الأنظار تتجه إلى القلعة الأخيرة للثورة إلى محافظة إدلب، فبدأت الأبواق الإعلامية لميليشيات الأسد بزف سمومها حول الهجوم على مدينة إدلب.
من يتابع الأوضاع في سورية اليوم يرى أن إدلب أكبر من نظام الأسد، فهي مرتبطة بتفاهمات دولية، فتركيا هي الضامن لفصائل الثوار ولها عدة نقاط مراقبة على خطوط التماس بين الثوار ونظام الأسد حسب اتفاق أستانة.
فعلى صعيد العلاقات التركية الروسية نجد أن روسيا لا تنظر إلى سورية كحلم توسعي بخلاف ما تفكر به إيران، فروسيا تجد في سورية حليفًا جيدًا كتركيا التي تلقي على عاتقها إيجاد صيغ سياسية تناسب روسيا بعيداً عن الحرب.
وبما أن تسيطر على جزء لا بأس به من القرار في سورية لن تكون هناك معركة دون موافقة أو أوامر روسية، وإن حدثت ستكون خاسرة لأن ميليشيات النظام وحلفائه الإيرانيين غير قادرين على الفوز بمعركة واحدة دون الطيران الروسي الذي يعتمد سياسية الأرض المحروقة.
أما العلاقات التركية الأمريكية، فأمريكا وإن أرادت السيطرة على المدينة ستكون عبر دعم قوات سورية الديمقراطية، وهذا الأمر يعدُّ مستحيلاً نظراً لبعد تلك القوات عن المدينة، فضلاً عن أن تركيا تعتبرهم منظمة إرهابية وشنت ضدهم معركة “غصن الزيتون” في عفرين أكبر معاقلهم في الشمال السوري، بالإضافة إلى طردهم من مدينة منبج شرقي حلب بعد تطبيق خريطة الطريق الأمريكية التركية.
وأما على الصعيد الداخلي العسكري والميداني، ففي إدلب تجمعت أعداد جيدة من الثوار الرافضين للتسوية أو المصالحة، وهنا تحتاج المعركة إلى تفكير طويل لأنها ستكون معركة وجود، وسيكون الاقتتال بأكثر استماتة بالنسبة إلى الثوار، وتركيا ستعمل على إيجاد صيغة عمل مشتركة بين الثوار لتكوين نواة جيش وطني، بالإضافة إلى تعزيز تركيا مشاريعها في المحافظة من شركات الاتصالات إلى بناء جدار إسمنتي وجامعات وهو الأمر الذي يؤكد بقاء تركيا في المنطقة لفترة طويلة.
أما اللاجئون وتأثيرهم، فمسألة اللجوء هي أشبه بقنبلة موقوتة للغرب، ومن الطبيعي عند كل معركة تبدأ على منطقة يتبعها موجة نزوح باتجاه تركيا أولاً التي لم تعد تستطيع استقبال أكثر من ثلاثة مليون ومن ثم باتجاه أوروبا، وجل الإحصائيات التي عملت عليها مراكز الأبحاث تؤكد رفض اللاجئين العودة إلى سورية في ظل وجود حكومة الأسد.
لعل أكثر السيناريوهات ارتباطاً بالواقع هو بسط تركيا يدها على المنطقة في ظل تفاهم روسي تركي يجنب المدينة كارثة إنسانية كما حدث شمالي حلب وشرقها من مدينة الباب وصولاً إلى عفرين.