بعد سيطرة ميليشيات الأسد على الجنوب السوري بدعم جوي روسي تسعى الأخيرة بالانتقال إلى معركة جديدة من بوابة إنسانية تحقق بها جملة من المصالح في خطة عودة لأكثر من سبعة ملايين سوري، فقد بدأت البروباغندا الروسية بالتحضير لذلك من خلال الإعلان عن عودة لاجئين من لبنان، كما أنها روجت لدخول شركات روسية متخصصة في بناء المساكن و أقامت عددًا من المراكز لاستقبال اللاجئين في دول الجوار والداخل الروسي.
الانطلاقة الروسية من الملف الإنساني لها بعدان من المصالح بالنسبة إلى الروس الأول خارجي و الثاني داخلي.
خارجياً:
1- تعويم الأسد: الرغبة القديمة الجديدة لبوتين هي إعادة إشراك الأسد في منظومة المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة الدولية المفروضة عليه، و طي صفحة الانتهاكات والجرائم التي أدت إلى قتل وتهجير الملايين من السوريين.
2- إعادة الإعمار: فمسألة تحمل حلفاء الأسد كلفة الإعمار يصطدم بواقع مغاير لما تروج له قنوات الممانعة لوجود عقبات وتحديات تعاني منها الدول الداعمة للأسد، فالعقوبات تحاصر إيران وروسيا والصعب تقديم مساعدة حقيقية له دون مشاركة غربية و خليجية في هذا الملف و ما تشترطه هذه الدول لضخ الموارد المالية هو حصول انتقال سياسي حقيقي.
3- إفراغ جنيف من مضمونه: وذلك من خلال ضمان عودة غالبية اللاجئين إلى سورية وإخضاعهم لسلطة الأسد الذي سيحولهم إلى مؤيدين بمجرد وصولهم إلى (حضن الوطن) وبذلك سيسحب قسمًا كبيرًا من القاعدة الشعبية السورية الداعمة للمعارضة وسيشكلون عامل ثقل لصالح الأسد في أي عملية انتخابات تفرضها استحقاقات المرحلة القادمة.
4- طمس الجرائم الروسية: فتعامل الروسي بملف اللاجئين و التسويق لجهودها على الساحة الدولية سيجعل منها تلك الدولة الإنسانية التي تدعيها من خلال مساعدة السوريين بالعودة والقضاء على الإرهاب.
داخلياً:
1- رفد الجيش بالقوة البشرية: تعدُّ روسيا المؤسسة العسكرية السورية عامل قوة لوجودها في سورية ولن تقبل ببقائها منهارة وضعيفةً، لذلك تسعى لإعادة اللاجئين من أجل إعادة بناء الجيش بالشباب المهاجر من جحيم الموت من أجل الأسد.
2- تحجيم النفوذ الإيراني: فالتدخل الإيراني العسكري في سورية يوازيه غزو اجتماعي وثقافي يفوق بحجمه المخططات الروسية في هذا الجانب وهو ما يشكل على المدى البعيد عامل تهديد للنفوذ الروسي ويحدث خللاً في المنظومة الاجتماعية السورية ذات الطابع السني (المهجَّر) لذلك تسعى روسيا إلى إعادة هذا التوازن الذي يصب في بوتقة مصالحها ويبدد من المخاوف الإسرائيلية نوعاً ما في تحويل سورية إلى قاعدة متقدمة للمشروع الإيراني بامتداد عقائدي وليس عسكري فقط ضمن إطار(المقاومة والممانعة) .
3- لحظة التوجه لنقطة المنتصف: موسكو دخلت خط الصراع السوري في البداية لتثقيل كفة الأسد وتوطيد أركان النظام السوري وهو ما تحقق لها فعلاً، و تسعى الآن بالاقتراب خطوة نحو الطرف الآخر بالقدر الذي تراه مناسباً مع تطور ملف الحل السياسي لتقديم نفسها كضامن داخلي ولو شكلياً، وقد ظهر ذلك في دورها في صفقات المصالحات وستلعبه الآن في ملف عودة اللاجئين.
هذه الطموحات الروسية بعودة اللاجئين تصطدم بعوائق عديدة وعلى رأسها المصداقية الروسية في الضمانات التي تقدمها للاجئين من عدم تعرض الأجهزة الأمنية لنظام الأسد للعائدين وكذلك الوضع الاقتصادي المنهار وافتقار البلد إلى البنى التحتية و الخدمية.
كما أن الشرخ الاجتماعي و الاحتقان المذهبي الذي ماتزال إيران تنفخ فيه يمنع الكثيرين من العودة إلى مواطنهم خوفاً من ارتكاب أعمال انتقامية وطائفية، بالإضافة إلى الحالة النفسية التي ألفها السوريين خارج سلطة الأسد في ممارسة حياتهم بحرية تامة خاصة أولئك الذين فروا لأوروبا، فكيف يستطيع الإنسان أن ينتزع من أبجديته حروفاً بات يصدح بها؟! و كيف يألف الحر عيش الذل بعد حياة الكرامة؟!