بقلم : أنس إبراهيمعندما اشتعل فتيلُ الثورة في تونس، وأصاب جذوتها فتيل الشعب الليبي، وأخذ يتمدد حتى أشعل الفتيلُ قرابة خمسةٍ وثمانينَ مليون ثائر في مصر، بدأ النظام النصيري في سورية يترقب بحذرٍ شديدٍ، ويأخذ احتياطاته الأمنية والسياسية خشية أن يصل البلُّ إلى ذقنه، ولسان حاله يقول:يا أيّها الـثـورة لا تهـبـطي ربـوع سـورية ولا تـبـتـليفحَسْبُ أهليها شـقاء الإدام فيا لسلمٍ كالوغى المصطليلكن حسابات الوزَّان لم تكن في الميزان. ففي اليوم الواقع في تاريخ (15/3 / 2011) بزغت فجر الثورة السورية من درع الوطن الجنوبي درعا، وبدأت تتدرج شيئاً فشيئاً حتى تفجرت في ضمائر الشعب السوري مطالبة بحرية الرأي والانفتاح الحضاري وحرية البناء والعطاء، ورفض الاستبداد والتغطرس والتسلط.ولكن “هذا أمر تكرهه الملوك” تلك حقيقة أدركها أعرابي حين سمع رسول الله r يدعو الناس إلى شهادة التوحيد. وقد قال له آخر بفطرته السليمة: “إذن تحاربك العرب والعجم”فقد فهم العرب أنَّ شهادة لا إله إلا الله ثورة على الحاكمين بغير شرع الله عربًا كانوا أم عجمًا.وهذا ما أعلنته الثورة في سورية، حين هتفت حناجر رجالها وشبابها بشعار الثورة “هي لله”.وبعد مرور أربع سنوات على انطلاق ثورة الشام المباركة التي تورَّدها كل ظمآن للحرية التي تنبع من أصالته سموًا، اتضح لنا أن العالم بأسره من شياطين الإنس والجن، بات يراهن على تقهقر هذه الثورة، ويراهن على ضعف مطالبها بعد أن تقادم بها الزمن وطال عليها الأمد؛ وهذا برأيهم من شأنه أن يحدو بشبابها وأهلها إلى مساراتٍ شخصية وحاجاتٍ مادية، وأنَّ الثورة في بداياتها لم تكن سوى انفعالاتٍ آنية وشحنات تعبيرية قد أفرغت طاقتها وأخمدت جذوتها في أول خمسين مجزرة ارتـُكبتْ في مختلف أنحاء الوطن السوري.ولكن لم يعلموا ولا يريدون أن يعلموا أنَّ الراكبين من الأمور صدورَها لا يركبون معاقدَ الأذناب، فشبابُ ثورتنا الصادقون الصابرون المؤمنون بقضـيَّـتهم لا تـُغريهم الدولارات، ولا تـُثنيهم المعونات فهم يتغذون على تضحياتهم في سبيل إعلاء منهج الحقّ والحريَّة والعدالة، ألا ترى أنه:بجَمْر الثورةِ الحَمْراءَ يُغذى بـنـوها لا بـزادٍ أو شـرابِولا شكَّ أنَّ هناك مَنْ يحاول ويسعى جاهدًا إلى أنْ يتمسَّـك بهفوات الثورة وسَـقطاتها التي تصدر من خليطٍ من الأهواء والأفكار التي لا تمتّ إلى أهدافها بصلة.ولكن مَنْ لم يلتمس الأعذار لشبَّان ثورتنا، نقول له: مَنْ أرهَبَ الطغاة، وهزَّ عروش المستبدِّين، ونكـَّـل بجيوش حزب اللات والحرس الثوري الإيراني والجرذان النصيريين، هم الذين ملأت جنودهم ما أقلـَّت الغبراء، وما أظلـَّت السماء في كلِّ شِبر من سورية؛ فقد غلبوا نيران أعدائهم بما سال من طهور الدماء.يا رجالَ القضيةِ الضخمة العسراء بـيـن الـطـغـاةِ والأبــريــاءلم يعد من تـفـاضلٍ بينكم في الأمـر إلا تـفـاضـل الـــشـركـــاءكـل جـزء من الـبـنـاء إذا صَـححَّ مـــتـمٌّ لــــســــائر الأجـــزاءليس في القلة الكلامُ وفي الكـثرةِ بـيـن الأخــلــةِ الأكـــــفــــاءإنـمـا الـعــدُّ والحـسـابُ لـمـا يُحســن كــل امـرئ من الأشــيـاءعبثٌ أنْ يظنَّ في الصيف فوزًا عاملٌ قــبـل فــوزه في الـشـتـاءوهـبـاءٌ عــدُّ الـغـنـائـم في الهيجاءِ قـبـل الدخـولِ في الهـيـجاءوإني أستنهضُ في نفوسكم أيها الشرفاء الثائرون، كلَّ عِزَّةٍ وأنفةٍ حتى تبسطوها على كلِّ خؤون وظالم في بقاع الأرض، وإني أدعوكم إلى أنْ نضع أيدينا بأيديكم ونمضي قـُدُمًا في الاستمرار في هذه الثورة المباركة.