“الحمد لله لأنه منذ زمن مرتاح من العذاب، مضى سنين وأنا أفكر به وأبكي وأتصور معيشته داخل المعتقل والعذاب الذي يذوقه، الآن ارتحت لأن روحه فاضت منذ زمن وارتاح من التعذيب.”
بهذه الكلمات واجهت السيدة “نجوى زيادة” والدة الشاب المعتقل “إسلام الدباس” خبر وفاته وهو أحد أبرز المتظاهرين السلميين الذين شاركوا في مظاهرات في مدينة داريا وهو طالب جامعي في هندسة العمارة.
في صبيحة يوم الجمعة 22 تموز 2011 التي عرفت باسم جمعة الوحدة الوطنية كان تاريخ اعتقاله واقتياده إلى فرع المخابرات الجوية في المزة.
تقول (هبة الدباس) شقيقة إسلام لصحيفة حبر: “التقطت له صورة قبل خروجه من البيت وودعته وأوصيته أن يعتني بنفسه وأن يحذر من غدر النظام وأن يعود سالماً، لكنه خرج ولم يعد.”
مؤخراً أصدر النظام السوري قوائم بأسماء المعتقلين الذين ماتوا في السجون، وكان لمدينة داريا نصيب كبير منها حيث تسلمت لوحدها 1000 اسم لشبانها الذين قضوا تحت التعذيب، في حين تحدثت تقارير حقوقية عن إصدار نظام الأسد تقارير طبية مزيفة بالتعاون مع المشافي، تثبت أن المعتقل توفي بشكل طبيعي نتيجة أزمةٍ قلبيةٍ أو نوبة ربو، بينما يُقتل هؤلاء من شدة التعذيب، كما يمنع نظام الأسد ذوي القتلى من التحري عن صحة تلك التقارير، وبذلك يكون النظام قد غسل يديه من دماء الأبرياء وأغلق ملف المعتقلين بطريقة قذرة و مستفزة لذوي المعتقلين.
عائلة “إسلام” تلقت خبر وفاته ككثير من العائلات المكلومة بعدما ذهب أحد الأقارب إلى دائرة النفوس ليحضر له إخراج قيد ومعرفة مصيره، فتعرض للرفض بحجة أنه ليس من درجة الأقارب المطلوبة، وبعد نقاش استطاع رؤية صورة من على شاشة الكمبيوتر تثبت وفاة إسلام منذ أكثر من خمس سنين، أي أنه توفي في 15 /1/2013 وهو الموعد ذاته لمحاكمة إسلام التي كان ينتظرها حسب ما قال له القاضي.
تتابع هبة حديثها: “بعد عام من اعتقاله وانتقاله من فرع إلى آخر استطعنا معرفة مكانه في سجن صيدنايا المركزي، وتم تأمين أول زيارة لنا بعد دفع 75 ألف ليرة مقابل ثلاث دقائق فقط، بدا وقتها نحيلاً شاحباً، وآثار مرضٍ جلدي باديةٌ عليه، لكنه كان قويًّا بعزيمته المعهودة.
وبعد عدة أشهر استطعنا زيارته مرة أخرى لكنها كانت الأخيرة، أخبرني وقتها أنه سيعرض على المحكمة في الشهر الأول من العام القادم، أي شهر كانون الثاني 2013 وهو الشهر نفسه الذي تم إعدامه فيه، فسجن صيدنايا كان مقبرة بحد ذاته.”
يذكر أن منظمة العفو الدولية عام 2017 قدمت تقريراً حمل عنوان “المسلخ البشري” دلالة على سجن صيدنايا المركزي الذي يتم فيه أعتى أنواع القتل والعذاب للمعتقلين.
اتهمت المنظمة فيه، الحكومة السوريّة بإعدام آلاف السجناء شنقاً وممارسة تعذيب ممنهج فيه، واعتمد التقرير على مقابلاتٍ مع ٨٤ شاهداً، بينهم حراس وضباط وسجناء سابقون في السجن، إضافةً إلى قضاةٍ ومحامين نقلوا مشاهد القتل والإعدام الميداني والشنق التي تكاد تتطابق مع مذابح سجن تدمر التي كانت عام ١٩٨٠.
قضى “إسلام الدباس” في سجن صيدنايا مثلما قضى الآلاف من المعتقلين في دولة تقتل أبناءها وتحرمهم الحياة ثم تحرمهم أن يدفنوا في قبرٍ يحوي رفاتهم،
حرمتهم أن يموتوا كبقية الناس موتًا طبيعياً وأن يُبكى عليهم ويُزار قبرهم كلما، ولكن عزاءنا الوحيد أن العدالة الإلهية هي الوحيدة القادرة على أخذ حقوق هؤلاء الأبرياء والثأر لهم كما يجب.