لا يمكن إجراء تغيير حقيقي بالاعتماد على النصوص فحسب، فالنص حالة ثابتة غير مقنعة في الإطار العملي إلا بعد عملية التجريب مهما كان محتويًا على فرضيات مهمة وبراهين راسخة.
إن التجربة فقط هي من تنقل النص ليكون مؤثرًا عندما يستطيع ملائمة الظروف ومحاكاة واقع الناس والانتقال بهم إلى مكان أفضل، عندها يصبح النص محل إيمان وقناعة لدى من عاينوا أثره فقط. ولا يجب أن نرتجي انتقال هذا الإيمان إلى واقع جديد وأناس جدد إلا بتكرار للتجربة وتطوير للنصوص وفهمها لملائمة الوقائع الجديدة.
ليس صحيحًا أن التجربة الماضية قادرة على نقل الأثر والإيمان بالنصوص إلا في حدود ضيقة وفي المجتمعات غير المهتمة بالفعل الحقيقي، التي يظهر فصلها بين الإيمان والسلوك.
لعل الوقائع التاريخية تخبرنا أن من يتأثرون بالتجربة الماضية لتصدير نصوصهم في واقع جديد لا ينجحون غالبًا في خلق الأثر لدى الناس، ولا ينقلون إلا الجانب الوعظي والحماسي للنصوص مع تيهٍ شبه كامل في الجانب العملي، وتحوّل الجانب الأخلاقي والقيمي إلى شعارات ومقولات مثالية فريدة من حيث التطبيق في الواقع.
إن إحدى أهم عوامل الردة عن الإسلام عند الأقوام الذين التحقوا به في نهاية عهد النبوة هو عدم معاينة التجربة، إنهم مؤمنون بالنص فحسب، إيمانًا بتعاليم غير مجربة يحميها ظهور قوة عسكرية وشخصية قيادية ظنوا أنها انتهت عندما تُوفي الرسول صلى الله عليه وسلم، أما أهل مكة والمدينة فإن ما ثبّتهم هو العقيدة الراسخة التي تشكلت لديهم جرَّاء معاينة التجربة بكل مراحلها.
الخطاب العملي الذي يضمن البعد التطبيقي للنص، هو خطاب مشاريع، وخطوات تنفيذية، ونماذج نجاح، تُثبت قدرة النص على التحول ضمن الواقع لمواكبته، فهو ليس عبارة عن مُثل فارغة أو أفلاطونية، إنما هو تعاليم إجرائية قادرة على الفعل والتغيير، تُنتج سلوكيات اجتماعية وعملية ومهنية وقيمية، ولديها عوامل كافية للربح وتحقيق المصلحة الفردية والجماعية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي