يعاني مدرسو الغوطة الشرقية الذين هُجروا نحو الشمال السوري سوءًا في الأوضاع المعيشية وشحًّا في فرص العمل، بعد تخلي “مشروع مناهل” الداعم للعملية التعليمية في غوطة دمشق الشرقية عنهم عقب خروجهم منها من جهة، وإخلال مديرية التربية والتعليم الحرة في دمشق وريفها بالوعود التي قدمتها لهم قبل التهجير القسري بمنحهم شهادات خبرة بالعمل التربوي، وتوفير وظائف لهم في القطاع التعليمي في الشمال السوري فور وصولهم إليه من جهة أخرى، فضلاً عن صرف نظر وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة السورية المؤقتة عن ملفهم بشكلٍ تام، ما أجبرهم على ترك المهنة والالتفات للبحث عن أي عمل آخر يؤمن لهم الحياة الكريمة.
المعلمة (هناء سريول) ٣٩ عامًا تُدرِّس منذ 12عامًا، لكنها حاليا تعمل في مشغل بدائي لصناعة الألبسة النسائية بغية الحصول على مبلغٍ ماليٍ يساعدها على تأمين مستلزمات أطفالها الثلاثة اليومية، بعد استشهاد زوجها بالغوطة الشرقية، وبعد تخلي مديرية التربية والتعليم الحرة في محافظتي دمشق وريفها عنها، كما هو حال مئات المدرسين الذين هُجروا من الغوطة الشرقية نحو الشمال السوري.
وقالت المدرّسة فاطمة قهوجي (٢٨ عاماً) لصحيفة حبر، إنها تقدَّمت بطلبات توظيف في مجال التعليم لمديريات التربية والتعليم الحرة في محافظات إدلب وحلب وحماة، ولبعض المنظمات الداعمة للمشاريع التعليمية في بعض مدارس المنطقة منذ قرابة 4 أشهر، وكانت قد خضعت لعدة مسابقات ومقابلات عمل لكن دون جدوى.
وما تزال فاطمة تنتظر القبول من قبل إحدى هذه الجهات حتى اليوم، آملةً باستئناف عملها في تعليم اللغة الإنجليزية من جديد.
هذا ما دفع معلمي الغوطة الشرقية المهجرين لإطلاق حملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف توجيه الأنظار إلى المعاناة التي يعيشونها في المناطق المحررة شمال البلاد تحت عنوان “المعلمون أولاً” و “صرخة معلم” إذ لاقت هذه الحملات رواجاً وتفاعلاً كبيراً من قبل الناشطين الإعلاميين والحقوقيين والمدرّسين في الشمال السوري.
أحد مدرسي مدينة عربين إياد عبد اللطيف (٤٧ عاماً) يقول لحبر: “أطلقنا حملة المعلمين أولاً نتيجة الإهمال الذي شهدناه بعد تهجيرنا قسراً من بلادنا من قبل القائمين على تسيير العملية التعليمية في مديرية التربية والتعليم الحرة في محافظتي دمشق وريفها.”
وبحسب عبد اللطيف فإن عدد المدرسين المهجرين من الغوطة الشرقية يتجاوز ٧٢٠ مدرّساً، معظمهم ساهم بشكل كبير في الحدِّ من انتشار الجهل بين أبناء ريف دمشق دون تلقي أي تعويضات مادية عن فترة زمنية لا تقل عن خمسة أعوام.
وبدورها أعلنت مديرية التربية والتعليم في ريف دمشق عن تشكيل لجنة مؤلفة من خمسة مدرسين لمتابعة شؤون المدرسين المهجرين إلى الشمال السوري، والتواصل مع وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة، ومع مديريات التربية في كل من محافظات إدلب وحلب وحماة، للتنسيق معهم بشأن تأمين شواغر للمدرسين وقبول الطلاب المهجرين حتى بدون أي وثيقة رسمية في مدارس الشمال السوري المحرر.
وبحسب رئيس اللجنة المدرس “راتب العلي” فإن اللجنة بدأت عملها بتأمين الرواتب للمدرسين، رغم الصعوبات التي تواجهها، مثل تعدد الجهات الداعمة وبقاء قسم من المدرسين في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أن مشروع مناهل الذي يُعد الداعم الأكبر لهم لا يمكنه إعطاء رواتب لمدرسين يعملون في مدارس لا يُشرف عليها.
وأضاف العلي: “طلبنا من المدرسين المهجرين استئناف التدريس في مدارس الشمال المحرر سعيًا منا لتأمين فرص عمل لهم، لكن عملهم في هذه المدارس يعني أنهم لن يتلقوا رواتبهم من مديرية تربية ريف دمشق، بل تكون مديريات التربية المشرفة على تلك المدارس هي المسؤولة عن دفع رواتبهم”.
ونوّه رئيس اللجنة أن دعم العملية التعليمية سيعود نفعها على الجميع وليس فقط على المدرسين المهجرين من الغوطة الشرقية فقط، وتسليط الضوء على الواقع التعليمي أمر إيجابي يعود أثره على الطلاب والمدرسين بشكل خاص، وعلى المجتمع كاملا بشكل عام.
وفي السياق ذاته، يقول مدير التربية والتعليم في محافظة حماة “أحمد هكوش” لصحيفة حبر: “بدأنا بإحصاء أعداد المدرسين المهجرين من الغوطة الشرقية، وتواصلنا مع مديرية تربية ريف دمشق الحرة لمعالجة حالات المعلمين الذين لم يتمكنوا من تأمين أوراقهم الثبوتية.”
وأشار هكوش أن مدارس القرى المحررة في محافظة حماة استقبلت عدداً من المعلمين المهجرين ضمن كوادرها التعليمية، لافتاً أن رواتبهم تدفع من تبرعات الأهالي والمنظمات الإغاثية العاملة في المنطقة بالوقت الراهن.
وكانت قد أعلنت مديرية التربية والتعليم في إدلب عن استقبال معلمي الغوطة الشرقية في مدارسها، شرط إجراء مسابقات يتم من خلالها تعيين المعلمين المطلوبين، رغم الخبرة الطويلة والشهادات الجامعية وديبلومات التأهيل التربوي التي يمتلكها مدرسو الغوطة الشرقية، وفتحت باب التقديم للمشاركة في مراقبة العملية الامتحانية والتصحيح، ومشروع “التعليم السريع”، حيث تقدم لكليهما ٤٥٠ مدرساً من المهجرين، إلا أنها لم تقبل سوى ثمانِ طلبات لكلا الشاغرين، ما اعتبره المدرسون المهجرون قرارًا تعسفيًّا وتصرفًا غير أخلاقي.
ومايزال المعلمون المهجرون من الغوطة الشرقية دون عمل يؤمن لهم الحياة المطلوبة، منتظرين قرارات جديدة أكثر رحمة بشأنهم من قبل وزارة التربية والتعليم الحرة.
ويبقى السؤال هنا: إلى متى سيبقى المدرسون المهجرون على هذا الحال؟ وهل سنشهد خطة ترأف بهم وتحسن مستوى التعليم في مدارس الشمال السوري الحر في الفترة القادمة؟