بقلم : أسامة الخضرمكتبة أبي القديمة هي أكثر ما يجعلني أفتخر بذكرياتي عنه، فقد قدمت لي من محتواها الفكري والثقافي بالكتب التي ضمَّتها كثيرًا من ثقافتي الحالية، ولها الفضل بتكويني المعرفي، حيث كانت صديقة أفكاري،تداعبني بعباراتها وتباريني بمعلوماتها وتذخُّرني لسباق الحياة.إنْ كنت سأعتبر الثورة أنجزت أمرًا على الصعيد الفكري لدى الشعب، فلا بدَّ أيضًا أن أقرَّ أنَّها قدمت إنجازًا كبيرًا رغم قلة الموارد والكوادر في مجال الإعلام المسموع والمقروء. استحقَّ هؤلاء المناضلون منَّا جزيل الشكر رغم بعد المسافة الفكرية بين الصحافة والعامة، فاليوم بات من الضروري أن يبقى المواطن على اطلاع بثقافة الأجداد، وبما أنَّ الكثير منها تلاشى فلا بدَّ من ضرورة الحفاظ عليها، وذلك بنسخها في كتب وطباعتها أو نقلها عبر المجلات والصحف اليومية.تعبِّر إحدى المجلات عن فكرتها في تسويق فكرها للعامة فيقول المسؤول: “نحن لا نريد رمي مجلاتنا على الأرصفة أو على عربات الباعة الجوالين، إنَّما نحاول أن نجعلها متناولة لمن يريدها ويهتم بها” وكان ذلك ردًّا على اقتراح بعض الأشخاص على توسيع مجال توزيع المجلة لتنتشر بين الناس بشكل أسرع.هل لايزال الناس يستفيدون من صحافتنا كما كانوا سابقا يستفيدون؟ ممَّا ندر أن نجد من يشتري أو يقتني جريدة أو مجلة ما قبل وخلال الثورة، لنتكلم بحقيقة وواقعية عن الأمر، فالصحف إذا انتشرت في الأوساط العامة هذا لا يعني أنَّ القرَّاء والمفكرين والمثقفين سيكدسونها على رفوف المكتبات المنزلية ويقومون بأرشفتها، فهم كما عامة الشعب سيحاولون الاستفادة منها بشتى الوسائل، فمن الطبيعي أن يقوم بائع الفلافل والشاورما والذرة باستعمالها في حال عدم وجود معامل تصنع الأوراق المستخدمة في ذلك، فهل نتوقع ممَّن يستعمل الكتب المدرسية لتلك الأغراض أن يتوقف عن استعمال الصحف لذات الأمر تحت وازع احترام الفكر الموجود فيها؟ طبعًا ستكون الإجابة لا، فكثير من المقيمين في مناطقنا لن يجهد نفسه بترتيب تلك الصحف في زوايا المنزل المحتشدة بالأفراد وأغراض المعيشة، ولن يزيد على عاتقه عبء تلك الصحف في حال اضطراره إلى النزوح، لكنني في كثير من الأماكن التي زرتها رأيت كثيرًا من أعداد صحفنا ومجلاتنا الوليدة في زمن الثورة، والأمر الذي يدعو إلى الضحك أنَّ هذه الصحف لم تكن ذات أهمية فيما سبق من أيام هذه السنة لكنني أرى كميات هائلة منها ترتفع على الأيدي، لماذا نحرم هذه الأجساد التي لا تجد مواد التدفئة في هذا الشتاء البارد من التدفئة على أفكارنا إن كنَّا غير قادرين على تأمين التدفئة لهم؟! هل نبخل عليهم بدفء أفكارنا؟! لماذا لا نطبع أعدادًا أكبر ونوزعها بانتشار أكثر ليتمكن الجميع من قراءة أفكارنا والاطلاع عليها وجعلها فكرًا محترقًا يتدفأ به من يحتاج لدفء ثقافتنا؟!