ما أحوجنا ونحن نعيش واقعًا غامضًا فيما تبقى من المناطق المحررة إلى تعزيز الجانب الأمني وتوحيده حتى لو بقيت الفصائل غير موحدة! إذ بإمكانها ونظرًا لحساسية المرحلة أن تتفق على نظام أمني على الأقل تضع فيه آلية عمل للحواجز المنتشرة تكون ذات فعالية وقوة تعطي الفائدة من وجودها، فالأصل فيها نشر الأمان، وإن لم تحقق هذه الغاية فلمن وضعها مآرب أخرى.
منذ أن غادرت حلب الشرقية مُهجرًا، وأنا أتنقل ما بين ريف حلب الغربي ومدينة إدلب، وعلى مدى ما يقارب العامين، مررت بمئات الحواجز العسكرية التي تتبع لفصائل مختلفة، يستوقف الحاجز سيارتك بإشارة من يده، وغالبًا ما يكون مقنعًا وأحيانا يكشف وجهه عن ابتسامة لطيفة، لكن السؤال المتكرر غالبًا بفظاظة وأحيانًا بلباقة: “من وين الشباب ؟!” لهجة السؤال توحي بأنك متهم أو مدان، مع العلم أنه لا أهمية للمكان الذي تنتمي إليه أو جئت منه، فسواء كنت من إدلب أو الأتارب أو أطمة أو قاح أو من أي بلدة تتبع للمناطق المحررة فلا غبار عليك، لكن لماذا يسأل الحاجز من أين أنت؟!
ربما هو سؤال لكسر الجليد، كما يقول أصحاب مهارات التواصل، لكن السؤال الثاني يبدو أكثر غرابة “هل أنت مدني أم عسكري؟” وغرابة السؤال تكمن في عدم وجود دليل على صدق الجواب، فقد تكون عسكريًا وتجيب بأنك مدني، وقد يحدث العكس، وفي الحالتين لا يطالبك الحاجز بدليل على مصداقية إجابتك، فهو يأخذ بمبدأ حسن النية، وبصدق كل ما تخبره به.
وهنا يأتي دور السؤال الأكثر خطورة: “هل أنت موظف في إحدى المنظمات ؟!”
وتجنبًا للإزعاجات يختار صديقي الذي أرافقه إجابة منجية فيخبر الشاب العشريني الذي أوقفنا على الحاجز بأنه يعمل معلمًا، مع أن صديقي يعمل مع منظمة مشهورة لا يروق للبعض ذكر اسمها، وتجنبًا للقيل والقال وكثرة السؤال، يختار صديقي مهنة التعليم ويمر بسلام.
نتابع طريقنا نحو حاجز آخر لا يبعد كثيرًا عن الحاجز السابق، ونحن نجهز أنفسنا لإعادة الأجوبة نفسها على الأسئلة الروتينية التي سيعيد الحاجز الجديد تكرارها.
لم تستطع الفصائل العسكرية طوال السنوات الماضية أن تجد آلية للتنسيق مع بعضها البعض، ولو أنها وجدت طريقة مناسبة للتفتيش والتواصل مع الحواجز الأخرى لكان في ذلك إنجاز يساهم، كما يقال في أضعف الإيمان، بالتقليل من عمليات التفجير التي عانت منها مناطق عديدة وخاصة إدلب في الفترة الأخيرة التي شهدت تفجيرات عنيفة مؤلمة بشكل ملفت للنظر.
نادرًا ما يطلب منك الحاجز في المناطق المحررة إظهار بطاقتك الشخصية، ونادرًا ما يتم اعتقالك لأنك ابن بلدة أو مدينة ما، أحيانًا يطلب منك فتح حقيبتك الشخصية للتأكد من محتوياتها، أو فتح صندوق السيارة الخلفي للتفتيش.
الملفت للنظر والمضحك في آنٍ واحد، سؤال خطر لي أن أسأله لعناصر الحاجز التالي وهو: ما المكان المشبوه أو اسم البلدة التي لو ذكر اسمها فإن الحاجز سيغضب ويستنفر ويعتقلنا مباشرة؟!
أخيرًا إن لم تكن الحواجز، ولو بقيت غير موحدة وتتبع للفصائل، وظيفتها نشر الأمان بين الناس والحفاظ على المنطقة ضمن نظام أمني مدروس يوافق ما خرج لأجله كل سورين فلا فائدة منها سوى أنها تؤدي وظيفتها بشكل قوي أثناء الاقتتالات بين الفصائل، وتعرقل السير في بعض الأحيان خاصة في المواسم والطرقات الحيوية.