بقلم : إسماعيل المطيرإنَّ القصور الفكري من أهم الأسباب التي أثرت بشكل سلبي على الثورة السورية وأخرت انتصارها، بل وجعلت النظام يلتقط بعض أنفاسه محاولا وأدَ الثورة، ليستمر في حكم سورية عشرات السنين.يتجلى القصور الفكري خصوصًا في الفهم الخاطئ لمفهوم الثورة، فالثورة أولا وأخيرا لم تخرج لتهدم كل شيء وُجد في زمن النظام، إنَّما كانت ثورة ضد ظالم اضطهد شعبه وأسرف في قتله.لكن الواضح -بكل أسف- وجود خلط كبير بين النظام كعصابة حاكمة وبين الدولة كمؤسسات حيوية من خدمية وصحية وتعليمية وغيرها.ذلك القصور الفكري أدَّى إلى قلة الوعي الواضحة لأهمية تلك المؤسسات والمرافق الحيوية ودور الثورة في الحفاظ عليها، فحدث تخريب وتدمير لتلك المؤسسات في المناطق المحررة بحجة أنَّها ملك للنظام، وغاب عن الأذهان إمكانية تفعيلها واستخدامها خلال فترة الثورة التي قد تطول سنوات كثيرة.فكم من مدرسة أو مشفى تحول إلى مجرد ثكنة عسكرية بعد تغيير هويتها تماما، وكم من مصنع أُفرغ من آلاته بحجة أنَّ مالكه شبيح، وربَّما كانت التهمة باطلة أصلا.أسلاك الكهرباء والهاتف وأنابيب المياه وحتى العدادات، كلها لم تسلم من النهب والتخريب، فلمجرد احتواء كابل كهربائي أو هاتفي على كمية ضئيلة من النحاس والألمنيوم يتم تقطيعه وحرقه ليباع بعد ذلك بأبخس الأثمان بقيمة لا تساوي ربع ربع ربع قيمته الحقيقية.إصلاح ما تم تخريبه بقصد أو دون قصد سيكلف البلد ثروات طائلة في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وبالطبع لن يدفع الثمن الباهظ سوى شعبنا. وعلى كل حال يدفع شعبنا الثمن في الوقت الحاضر من خلال انتشار الجهل والتخلف والفقر وما يترتب على ذلك من الوقوع في المصيدة التي تقتضي أن يظل الفقير فقيرا والجاهل جاهلا، وهذا ما بدا واضح الانتشار في مناطقنا المحررة، على عكس المناطق التي يحتلها النظام حيث أنَّ جميع المؤسسات فاعلة تقريبا.مؤسساتنا التي فقدناها مازال مكانها شاغرا، فصرنا نبحث عن بديل لها يقوم بجزء من عملها على الأقل، فالمدارس صارت تفتتح في المنازل وتفتقر إلى أبسط المقومات التي تجعل منها مدارس حقيقية.والمشافي ليست أفضل حالا، فهي أقرب إلى كونها مشاف ميدانية، ومصانعنا متوقفة عن العمل، ومؤسساتنا الخدمية التي استحدثناها ظلت مشلولة لاحول لها ولا قوة، إلا في حال وجود داعم يتبرع ببعض الفتات لتلك المؤسسات على اختلاف أنواعها.صرنا نستجدي الداعمين ليدعموا مدارسنا، ونقبِّل أيدي غيرهم ليتبرعوا بجهاز طبي لمشفى من مشافينا، ونُعرض لابتزازهم جيئة وذهابا وهم يحاولون فرض سياساتهم وأجنداتهم الظاهرة والخفية، وكل ذلك ليس إلا الاستعباد والتبعية العمياء.حتى أصحاب الكفاءات في مناطقنا عاطلون عن العمل أو بحكم العاطلين، وهم لا يجدون من يهتم لأمرهم، ومن كان ذو حظ منهم فقد “دبَّر رأسه” وسافر تاركا ” الشقا على من بقى” لنبقى في الدوامة ذاتها لا نعرف كيف نخرج منها.من الغباء أن نعيد اختراع العجلات بعد أن اخترعها غيرنا، فعلينا أن نتجاوز قصورنا الفكري هذا، كي نفهم الثورة وروحها، وإن لم نفعل ذلك سنكون قد جنينا على بلدنا وعلى شعبنا.