لاحظ “عبد المجيد” انتشار مهنة بيع المشروبات الساخنة (ماكينات الإكسبريس) بكثرة في الشمال السوري، التي تصنف بأنها غالية الثمن رغم بساطتها ولا توفر خدمة ذاتية، ففكر بصنع آلة تجمع بين السعر الرخيص والتكنولوجيا الحديثة والخدمة الأوسع، إضافة إلى أنها تجمع بين الميكانيك والإلكترون والبرمجة معًا وذلك ضمن هيكل جذاب.
“عبد المجيد” شاب من مدينة داريا درس اللغة العربية في دمشق وأتبعها بدراسة معهد إلكترون المجال الذي أحبه وأبدع به، لكنه لم يستطع التخرج إثر تغيبه عن الجامعة والمعهد خشية الاعتقال مع بداية الثورة عام 2011.
تزامنًا مع تهجير أهالي داريا في نهاية عام 2016 إلى مدينة إدلب في الشمال السوري قرر عبد المجيد أن يستكمل دراسته، فبدأ بحضور دورات مكثفة في اختصاصه من أجل أن يواكب التطور السريع الذي فاته خلال سنوات الحصار الأربعة لداريا.
وأوضح “عبد المجيد” أنه حضر حوالي 100 ساعة تدريبية في الإلكترون و100 ساعة في لغات البرمجة c++.
الآلة بين التوفير والتطوير
مع صعوبة تأمين الكهرباء لفترات طويلة في الشمال السوري تعمل الآلة على طاقة 12 فولط بقيمة لا تتجاوز 2 أمبير، أي مقدار ما يستهلكه (الراوتر) من البطارية، بينما تعتمد آلات البيع الذاتي الحديثة على 2000 واط وبطاقة 220 فولط وهذه الميزة تسمح باستخدامها على مدار الساعة ولأيام عدة قبل أن تعيد شحن البطارية مرة أخرى.
يضيف “عبد المجيد” بأن الآلة تحتوي على 7 مشروبات مختلفة قابلة للزيادة بمجرد إضافة بعد التعديلات البسيطة، فضلاً عن آلية التسخين التي لا تعتمد على الكهرباء وليس لديها أي سعة تخزينية للماء كما هو الأمر في الآلات الأجنبية، وإنما صمم آلة تسخين آنية تقوم على تسخين كمية كأس واحد ما يعادل 60 مل، وذلك مع كل مرة يتم فيها طلب مشروب ساخن حفاظًا على توفير طاقة الكهرباء والغاز معًا.
يستطيع المستهلك أن يرى جميع مراحل تحضير الكأس الخاص به من خلال شاشة شفافة في واجهة الآلة، وهذا مالا توفره الآلات الأخرى.
آلية العمل والتشغيل
تعمل الآلة من خلال نظام RFID باركود راديوي محمي لا يمكن اختراقه، حيث يتم تشغيلها أو إطفائها من قبل المالك ببطاقة ائتمانية، وفي إيجاد بديل عن آلية استقبال الآلات الأجنبية للعملة الورقية أو المعدنية كون العملة السورية شبه تالفة والعملة المعدنية فاقدة القيمة، فقد جعل عبد المجيد للآلة خيارين:
إما أن يكون مفتوحًا على الإطلاق أو محميًّا بكلمات مرور محددة، إذ يمكن جعل الماكينة تعمل في وضعية القفل المفتوح في حال استخدامها للأماكن الخاصة كالمنظمات أو الشركات، ويمكن تقييدها بكلمات سر محفوظة في كرت داخلي بحيث تُباع البطاقات الخاصة بالأرقام تمامًا كبطاقات النت، ليتم فتح الماكينة وشراء مشروب واحد، وفي كل مرة يتم إدخال رقم جديد في حال استخدام الماكينة للربح المادي المباشر كأن تضعها في أماكن عامة، كالمستشفيات أو الحدائق أو الجامعات.
إضافة إلى أن هناك بطاقات راديوية يمكن (تشريجها) بقيم يحددها المالك ليتم السماح لصاحبها بالشراء عدة مرات قبل أن تفقد البطاقة رصيدها ويعود لتشريجها مرة أخرى.
أكد “عبد المجيد” أنه يمكن تفصيل نموذج خاص يناسب المستخدم مع إضافة أو حذف أو تغيير في المقاسات أو المشروبات، ويعتبر هذا النموذج هو الأول المعتمد في الشمال السوري بعد أن تم إدخاله حيز الخدمة.
آلة تصنيع المشروبات ليست الأولى لدى عبد المجيد، فقد اخترع حفارة أنفاق كهربائية خلال فترة حصار داريا تعمل 24 ساعة متواصلة لأنها أسرع وأقل كلفة من الكادر البشري وذلك أثناء حفر نفق إمداد إغاثي لخارج المدينة.
نوه “عبد المجيد” إلى أن هدفه الأساسي من التصنيع خدمة المجتمع وإثبات للعالم أن الشعب السوري فاعل وقادر على العمل والصناعة والإبداع في أقسى الظروف وأقل الإمكانيات، فكيف إذا أتيحت له فرص الاستقرار والأمان والحريات؟!
أما الشيء الذي يدعوه للفخر والاعتزاز حين تشغيل قارئ QR بكاميرا الجوال لقراءة “الباركود” الخاص بالجهة المصنعة ستظهر جملة (صُنع في سوريا المحررة) وهذا أهم شيء بالنسبة إليه.