ينجح الإنسان في الوصول إلى الأهداف التي يبحث عنها ما دام يستطيع تحديد الطريق المُوصل إليها، ويكون قد توثق من امتلاكه الأدوات واللوازم التي يستدعيها سلوكه لذلك الطريق، وبعد كل ذلك يحتاج إلى الثقة بكونه قادرًا على الوصول وهذا يتكسب عليه من خلال الحماسة المتجددة.
فمثلاً؛ لا يستطيع المتسلق أن يصلَ إلى قمَّة جبل ما، ما لم يكنْ مصطحبًا لأدواتِ التسلق يندفع بالحماسة للقيام بهذا التحدي، وكلما كان انحدار الجبل أشد لعبت خبرته وتجربته الدورَ الأهم في إتمام عمله المبذول، وتسريع وصوله إلى القمَّة.
تجربة المتسلق ذلك تلوِّح لنا بأيديها كي نتعرَّف عليها كفلسفة عميقة للحياة ونستفيد منها على مستوى تجاربنا الشخصيَّة، فكلنا في نهاية الأمر نبحث عن إثبات ذواتِنا، ولدينا أهداف ونسعى لتحقيقها مهما اختلفت ماهيتها وتباينت الألوان المشرقة التي اصطبغتْ بها.
عندما نستنشق عبق تلك الأهداف داخلنا فإنَّ شعلات الحماس تتوقَّد فينا ونشعر بالثقة والقدرة المفرطة، بل نحس بتلك الأهداف شيئاً في متناول اليد لا يحتاج منا إلا لأن نحكَّ المارد الذي يختبئ في مكان ما، وستَنْطلق منه على الفور أجمل الأشعَّة التي تجعل لحياتنا طعم مختلف.
في الغالب لا تكون أهدافنا بعيدةً عن مواهبنا، فالإنسان هزيل الجسد ضعيف البنية لا يطمح إلى أن يخوضَ غمارَ المصارعة ويصبحَ البطلَ الأوحدَ فيها؛ طبعاً إلا إذا كان يرغب بالتحول إلى كتلة بشرية من المخلل.
نعم قد يعشق الإنسان هواية ما، بل ويمارسها ضمنَ نطاقِه، لكن من المستحيل أن يفكر باحترافها ما لم يكن يملك أدواتِها ولوازمها.
فاللبنة الأولى في بناء الطموحِ التي تتعلق بمقدرات صاحبه لا تكون مغشوشة، وليسَ الخلل يبدأ منها، إنما يأتي الخلل عندما لا يدرك الإنسان أنَّ أدوات موهبتِه شيء والأدوات التي يشقُّ بها طريقَه نحو النجاح شيء مختلف.
مهما كانت بنية المتسلق قويَّة، وقدرته على الحركة سهلة سلسلة؛ فإنه لا يملك تسلق الجليدَ بدون أدواته الخاصَّة، واستعداده الجسديُّ والنفسي لن ينفعه ذرَّة خردل بدونها.
دعونا لا نذهب بعيداً، فالأشخاص الذينَ يتأملون حضارة الغرب بعين الحسرة، ثمَّ يهرولون إلى خلواتِهم، ويعكفونَ على الدراساتِ النظريَّة العلميَّة في محاكاةٍ لما رَأوْه بحثاً عن مواصلاتٍ متطورة لبلدانهم، أو شبكة قويَّة من المنظوماتِ الدفاعيَّة، لن يحصلوا على شيء في النهايةِ، إنْ تكدَّستْ تلك الدراسات في أضابير الحكومةِ، وراحَت الجرذان تتوارثُ قرضَها كابرًا عن كابر ولا أظنُّها إلا ستتكدَّس.
قد يكون عقل الواحدِ منْهم بعقل ألف رجلٍ من علماء الغرب، لكنْ رغمَ ذلك لن يصلَ إلى هدفه؛ لأن المسألة خرجت من نطاق الأدواتِ الذاتيَّة ودخلت في نطاقِ أدواتِ البيئة.
عندما يبحث الإنسان عن ذاتِه فلنْ يستطيعَ إيجادَها في دولةٍ لا تؤمن له الأدوات، ولا تنجزُ واجباتِها تجاهه، وعندَ ذلك فلا وطنَ له، وكيف لوطنٍ أن يوجدَ والذاتُ التي منَ المفترض أن تسكنه غير موجودة؟!
ثمَّ يأتي بعد ذلك الحماس تجاه أهدافنا، نحتاج أن نسعى إليها في وعينا ولاوعينا، تشغل عقلَنا في اليقظة والمنام، لا يجب أن تكونَ شيئاً معتدل الحرارة داخلنا، ولا زاويةً منْ روضِ الأمل نهرب إليها كلما اشتدت سياط الحياة على ظهورنا، بل يجب أن نعيش لله تعالى ساعينَ لأهدافنا، محاولينَ الإتقانَ فيها كيْ نتكاملَ جميعاً.
نعمةُ اختلاف استعداداتنا العمليَّة نعمة أكرمنا الله تعالى بها، إذ ليسَ مطلوباً منا جميعاً أن نكون علماءَ دينٍ أو روَّادَ فضاء أو غيرَ ذلك ممَّا يتسابق إليه الناس بحثاً عن التفاضل.
قيمتك الحقيقيَّة أيها الإنسان أن تحدد موهبتك، وتسعى إلى استثمارِها في أهدافٍ تمثلُكَ أنت، لا تمثل ما تريده أسرتك لك أو ما يريده المجتمع.
تفحَّص مواهبَك بدقَّةٍ وأشعل الأهداف المنطقيَّة داخلك، حافظ عليها بالحماس دوماً، ولا تنتظر خدمات مجتمعك التي قد تكون غير موجودة كي تأتيكَ بنفسها، بل ابحث عنها بكل طريقة واطرق كلَّ الأبواب المشروعة؛ وستصل بإذن الله تعالى.