بقلم : أحمد يزنكنت أعمل معلمًا في مدرسة ابتدائية، وكنت قد أنهيت يوما قاسيا في التعليم، كان يطرق باب داري طرقا قويًّا متواصلا، فقد استلقيت في سريري وأغمضت عيني واستسلمت للنوم، وإذا بصوت جلبة قوية عند الباب، ضغطت زر الكهرباء منيرا الغرفة، لكن الباب فتح من شدة الطرق، هاجموني وخطفوني من أهلي ظانين أنَّهم عثروا على صيد ثمين ينالون به ثناء وثقة كبيرين من رؤسائهم و أسيادهم الذين يخدمون الأسد، وسرعان ما سرقوا ساعتي التي كانت في يدي والمال الذي كان في جيبي وأركبوني في سيارة عسكرية، وأثناء الطريق كانوا يتناولونني بأقسى أنواع الشتائم ويضربونني على وجهي وأنا أصرخ مستغيثا من الألم.عند وصولنا إلى حيث يريدون أدخلوني غرفة التحقيق، واستخدموا معي جميع أصناف التعذيب من شبحٍ وجلد بالسياط والعصي وغيرها، فقد تهشم وجهي، وشجَّ رأسي، وتحطمت أضلعي، ووجهوا إليَّ تهما كثيرة، طالبين مني الاعتراف بها، وعلى الرغم من أنَّ الجراح كانت تنزف مني فقد أنكرت هذه التهم جملة وتفصيلا وأصررت على أنَّها ملفقة مزورة، ثم ألقوا بي في زنزانة مظلمة كالقبر، من غير دثار ولا غطاء، ومن شدة الإعياء والتعب نمت نوما عميقا، وقد أعادوا معي التحقيق أكثر من مرة، وفي كل مرة كان التعذيب أقسى وأشد، كنت في الزنزانة وحدي، طعامي “سندويشة” فلافل صغيرة كل يوم وشرابي من صنبور في الزنزانة يسيل منه الماء كخيط رفيع بشكل مستمر، وقد تراكمت الأوساخ عليه من زمن بعيد.وذات ليلة أيقظوني وقالوا لي: “جهز نفسك أنت مطلوب لفرع آخر في محافظة ثانية” وضعوا عَصابة على عيني كي لا أبصر ما حولي، وقيدوني من يدي نحو الأمام وأركبوني في سيارة ركب فيها المحقق وأحد الجلادين وجنديان، وقد عرفت المحقق والجلاد من صوتهما، ثم سارت السيارة بنا، هنا توجهت إلى الله بالدعاء سرًا، وكنت قد تبتُ إليه توبة نصوحة، وبدأت أدعو قائلاً: “عليم بحالي غني عن سؤالي، يا رب إنك تعلم أنني بريء فأسألك متوسلا إليك أن تجعل هذه السيارة تتدهور متحطمة على الطريق لنموت جميعا” وفجأة مالت السيارة وانحرفت عن الطريق، ثم مالت أكثر، ثم انزلقت متدحرجة في وادٍ سحيق، وصرنا نتقلب فوق بعضنا البعض، إلى أن استقرت السيارة في أسفل الوادي وقد أزيحت العَصابة عن عيوني، الله أكبر! ماذا أرى؟! المحقق والجلاد كل منهما جثة هامدة، و أحد الجنديين كذلك، وبقيت والجندي الآخر الذي كان جالسا بجانبي، وقد أصبت برضوض وجروح لم أشعر بها إلى اليوم الثاني، حاولت فتح باب السيارة لأهرب، وإذا الجندي يشهر سلاحه ويهددني بالقتل قائلا: “مكانك لا تتحرك” ثم اتصل طالبا النجدة وأعلمهم بالحادث، وبعد فترة وجيزة، أتت سيارتان محملتان بالجنود، وضعوا المحقق والجلاد والجندي في سيارة، وأنا والجندي الآخر مع بعض الجنود في السيارة الثانية، وهم يكفرون ويلعنونني، وقد حملوني حملا لأنني لم أعد قادرا على المشي.إنَّ الجلاد والمحقق كان القدر لهم بالمرصاد، لقد ظلموا كثيرا من الأبرياء، وصنعوا الأعاجيب بضحاياهم “إن ربك لبالمرصاد”دخلت السجن، وقضيت فيه فترة ثم أُفرج عني.وهنا أتساءل: أين لجنة حقوق الإنسان التي يتشدقون بها؟ أين لجنة حقوق الحيوان؟لكل ظالم نهاية، فهل من معتبر؟