في أول بادرة على عودة المصارف العالمية للاستثمار في الاقتصاد التركي، قالت محفظة إدارة الاستثمار في مصرف “غولدمان ساكس” الأميركي، إنها نفذت عملية شراء لسندات دين تركية مقومة بالدولار.
وحسب نشرة ناسداك مساء الأربعاء، قال رئيس وحدة أدوات المال الثابتة بمنطقة آسيا والباسيفيكي، فيليب موفيت، إن محفظة الاستثمار في الأدوات الثابتة وجدت أن السوق التركية قادرة على منح ربحية أكثر في العام الجاري 2018، رغم تراجع سعر الليرة.
وقال إن “محفظة غولدمان ساكس” اشترت سندات تركية مقومة بالدولار في بداية الأسبوع الجاري. ولكنه لم يكشف عن حجم السندات التي تم شراؤها.
وفي ذات الصدد، قال موفيت في تعليق لقناة بلومبيرغ، “على الرغم من أن المستثمرين باعوا السندات التركية لأسباب سياسية محلية، إلا أنها تحمل ربحية”. وأضاف “رغم المخاوف السياسية، إلا أنه واثق من أن تركيا قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه هذه السندات”.
وكان المحلل المالي في صحيفة ” فاينانشيال تايمز” البريطانية، كولبي سميث، قد ذكر في مقال تحليلي، أن الاقتصاد التركي ليس بحاجة إلى زيادة نسبة الفائدة التي نفذها البنك المركزي التركي الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن رفع الفائدة الذي نفذه البنك لا يخدم هدفاً اقتصادياً بقدر ما صمم لـ”بعث الثقة الاستثمارية” لدى المستثمرين الأجانب.
يذكر أن تركيا لم تلجأ للإجراءات التي تتبعها الدول عادة في الأوضاع المالية الصعبة، حيث لم تتخذ أية إجراءات للسيطرة على حركة رأس المال ووضع قيود على التحويلات، كما أنها لم ترفع نسبة الفائدة بشكل حاد يرفع ربحية المصارف الدائنة على حساب الشركات والمقترض المحلي على غرار الأرجنتين، إضافة لعدم اللجوء للمؤسسات المالية المقرضة كصندوق النقد الدولي.
ومن بين الإجراءات الذكية التي نفذتها تركيا، رفع الفائدة المصرفية على الادخارات المودعة بالعملة المحلية وخفضها على إيداعات “العملات الأجنبية”، وهذا الإجراء ساهم في دعم الليرة، لأن أصحاب الحسابات الدولارية وغيرها سيخسرون في حال الاستمرار في حفظ أموالهم بعملات أجنبية وسيكسبون في حال تحويلها لليرة التركية.
ويضاف إلى هذه العوامل الدعم المباشر الذي وجدته من الاستثمارات القطرية.وتتوقع الحكومة التركية أن تتمكن من تحقيق وفورات قدرها 9.6 مليار دولار في ميزانية العام 2019، دون اللجؤ لاعادة هيكلة الضرائب أو أية متحصلات أخرى.
ولم يكن تراجع الليرة كله سلبياً، فقد ساهم بشكل مباشر في رفع حجم الاستثمار الأجنبي في العقارات التركية. وكانت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية قد تناولت في مقال تحليلي في أغسطس/ آب الماضي تدفق مستثمري المنطقة الخليجية على تركيا لشراء العقارات في الأماكن الاستراتيجية مستغلين انخفاض الليرة مقابل عملاتهم المقومة بالدولار.
كما رفعت كذلك من حجم الصادرات ومن الدخل السياحي. ودفع سعر صرف الليرة المنخفض أمام اليورو والدولار لزيادة أعداد السياح الأوروبيين والعرب داخل البلاد.
ورغم أزمة تراجع الليرة التركية وانسحاب بنوك استثمارية غربية من السوق التركي خلال الصيف الحالي، فإن تركيا لم تلجأ لاستخدام احتياطي النقد الأجنبي للدفاع عن عملتها الوطنية وسط المضاربات المحمومة مثلما فعلت بنوك أخرى مثل “المركزي الأرجنتيني”، الذي خسر عشرات مليارات الدولارات في الدفاع عن البيزو، مما اضطر الأرجنتين للجوء لصندوق النقد الدولي. ولم يهبط احتياطي المركزي التركي سوى بملياري دولار، حسب البيانات الرسمية لشهر أغسطس/ آب.
وأظهرت بيانات البنك المركزي التركي التي نشرتها وكالة الأناضول أخيراً، أن إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي تراجع ليصل في نهاية أغسطس الماضي، إلى 70.4 مليار دولار، من 72.9 مليار سجلها قبل 10 أيام.
كما كشفت البيانات عن أنَّ النقد الأجنبي، بحوزة المقيمين انخفض بشكل طفيف إلى 152 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 31 أغسطس/آب مقارنة مع 152.8 مليارا في 20 آب / أغسطس، وهو ما يعني أن هنالك ثقة من قبل المستثمرين في الاقتصاد التركي.
وفي ذات الصدد، قالت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي التركي في محضر الاجتماع الذي عقده البنك الأسبوع الماضي إن التنسيق بين السياسات النقدية والمالية سيلعب دوراً مهماً في خفض التضخم وإعادة توازن الاقتصاد.
وحسب رويترز، خفضت تركيا كثيراً توقعاتها للنمو في العامين الحالي والمقبل في برنامجها الاقتصادي الجديد المتوسط الأمد الذي أعلنت عنه يوم الخميس.
وأظهرت بيانات العرض التوضيحي الذي قدمه وزير المالية براءت ألبيرق أمس، أن من المتوقع وصول النمو إلى 3.8% في 2018 و2.3% في 2019، حيث جرى تعديل كلا الرقمين بالخفض من توقعات سابقة لنمو نسبته 5.5 %.
وكانت مصادر قالت، إن تركيا ستخفض توقعاتها للنمو الاقتصادي، لكنها أشارت إلى نقاش بين كبار مسؤولي الحكومة بخصوص حجم التعديلات.
وسلط ذلك النقاش الضوء على اعتبارات الموازنة الدقيقة بين تركيز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على النمو الاقتصادي المدفوع بالائتمان ودعوات المستثمرين إلى تقشف أكبر. وكان الوزير ألبيرق، قد تعهد في السابق بتبني “أهداف واقعية للاقتصاد الكلي” مع “خطط عمل مناسبة”.
ويلاحظ أن الليرة حافظت في الأسابيع الأخيرة على هامش تذبذب ضيق، وهو ما يعني أن الليرة بدأت تدريجياً تعود للاستقرار حول هامش ذبذبة محدد. وحسب رويترز جرى تداول الليرة عند مستوى أقل من 6.27 ليرات للدولار بعد الإعلان عن البرنامج، مقارنة مع نحو 6.20 ليرات قبل الإعلان و6.2541 ليرات عند الإغلاق يوم الأربعاء.
ويرغب المستثمرون أن يروا علامات على تحول الحكومة عن النمو المدفوع بالائتمان ومشروعات البنية التحتية الكبرى والمستمر منذ 15 عاماً.
المصدر: العربي الجديد