بقلم : رئيس التحريررأيناهم يزمعون الرحيل ويشدّون الركاب، ويودعون أحبتهم تارةً ويدْعونهم إلى اصطحابهم تارةً أخرى، فقلنا لهم: إلى أين المسير؟ يا شباب، فأجابوا: إنما هو زحف، زحف إلى مدينة إدلب المحررة.وقد توحي لكم – أيها القراء – عبارة ( الزحف ) لما تحمله من مدلولات بجيش عرمرم يتجه إلى المدينة فيساند المجاهدين، ويحمي ظهور المتقدمين، ويشد على أيدي إخوانه من المرابطين، ولكن الحقيقة أنَّ هذا الزحف مختلف عن ذاك.ففي هذه الأجواء الربيعية البديعة يستيقظ النائمون من سباتهم الشتوي الثوري على وقع أقدام المقاتلين وصيحات حناجرهم وأزيز رصاصهم وهدير مدافعهم، فيقرؤون في مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا عن تحرير إدلب، فيحزمون حقائبهم وأمتعتهم ويحملون في صناديقهم الملونة أمشاطهم وعطورهم وأساورهم وأعلامهم وأدوات مكياجهم و(ساندويشاتهم) التي أعدتها لهم (ماماتهم) إضافة إلى خواطر العشق التي كتبوها لحبيبتهم المتخيلة إدلب عندما كانوا مراهقين، وعدسات كاميراتهم التي ملت من أصابيع المبتدئين العابثة بها.وفي حين يتقدم جيش الفتح إلى الفوعة وكفريا والمسطومة، وتتقدم الجمعيات الخيرية الإنسانية لتقف إلى جانب أهالي المدينة وتقدم لهم العون والمساعدة، تتقدم السيارات السياحية القادمة من من كل حدب تجاه إدلب، ويطير المحبون إلى المدينة التي لم يتذكروها في سنوات قحطها وقفرها وفقرها، ليخطبوها من أبيها بعدما اكتشفوا جمالها الفتّان فجأة، ويحجّ إليها (المؤمنون) زرافات ووحدانا معبرين عن شوقهم الذي لا ينضب!وبذلك تصير المدينة التي أهرقت الدماء على أبوابها، وقدم المجاهدون مهرها من مهج نفوسهم، تصير سوقًا يشبه سوق المربد ينشد فيه الشويعريون كلامًا عن علاقاتهم الغرامية بالمدينة التي حرروها من قيدها! وتتحول إلى ( استديوا ) صغير لالتقاط الصور الفنية الجماعية والفردية بالوضعيات المختلفة في جميع الأوقات.وسرعان ما انتشرت هذه البدعة بين صفوف حاملي الكاميرات، فانتقلت العدوى من شخص إلى آخر لتنشر مرض العجب وداء الرياء، وليدعي كلٌ وصلا بإدلب، فإذا قام الإعلامي أبو عبدو البسطاوي والتقط صورة له في دوار المحراب بالقرب من الدبابة سارع أبو ديبو الفرحاوي ليلتقط صورًا له في ساحة المربع الأمني بالقرب من المدرعات، لتختلط الكوميديا بالتراجيديا في هذه الصور الطفولية.وبعد ..فهذه قصة أولئك الذين حملوا في صناديقهم المزركشة أمشاطهم وعطورهم وأساورهم وأعلامهم وأدوات مكياجهم، ولست أخشى عليهم من الطريق أو من إدلب، ولكن أخشى أن يتأخروا في العودة إلى ( ماماتهم ) اللواتي أعددن لهم ( عروساتهم ).فمن رآهم منكم فليستعجلهم في العودة.