العلاقةُ الصحيحة بين الشعب والمسؤولينَ السياسيين تدفعُ عجلة الحياة المدنيَّة نحوَ التنمية والتكامل، فالقيادة تعني أنْ يتقدَّمَ المسؤولُ سائر المواطنينَ في الطريقِ نفسه الذي يسيرون فيه، ويزيلَ ما استطاعَ من عوائقه، ويصغِّر صعوباتِه في أعينهم، ويحرِّضهم على التغلب على مخاوفهم ومواجهتها، وذلك عبرَ كونه مثالاً حياً يحتذي به المواطنونَ.
هذا النوع من العلاقة بينَ الطرفين تستمرُّ، وسيفتخر الناس بقائدٍ يعتني بمصالحهم المشروعة ويزكيها لهم، ولنْ ينقموا عليهِ إذا تمتَّع بميزات استثنائيَّة يستوجبها منصبه، بل سيسألونَ له مزيدًا الرفعةِ أمامَ العالمِ، لأنهمْ بدؤوا يرونَ أنفسهم من خلاله.
إذا لم تؤتَ العلاقة من هذا الباب، فليسَ للمسؤول إذا أرادَ قطفَ عين الثمار الذاتيَّة بل والاستزادة منها إلا أنْ يخلع عنه رداء الإنسانيَّة، ثمَّ يكتسي كلَّ ما نسجتْه الغوغائيَّة من ظلام، ويطرق باب الديكتاتوريَّة دون أن يكترثَ بتوافد اللعناتِ المُجيبَة عليه.
بعدَ أن يفعلَ فإنَّه يلجأ لصنعِ الهيبة لنفسِه وأفعالِه، ولقد ذكرَ الشيخ عبد العزيز الطريفي في كتابِه “العقليَّة الليبيراليَّة في رصف العقل ووصف النقل” أنَّ هذا من أعظم ما يعطل التصحيحَ وبالتالي سير المجتمع في طريقِ النهوضِ الصحيح، ولسوفَ يَفسَد ويُفسِد ذلك الغوغائيُّ إذا فقدَ مع الوقتِ المخَطِّئ له إذا أخطأ، واللائم له إذا أساء، والمقوِّم له إذا اعوجَّ.”
استمراره بعدَ ذلك في مسلكه الباطل سوف يراكِم الأخطاء من حولِه، وستتوجَّه إليه أعين السخط الخاصَّة بخواص المواطنينَ وأصحاب الوعي الذينَ لم تنطلِ عليهم خدعة الهيبة والعقل الأكبر الذي جعله لنفسِه أمامَ الناس، ولمنع الطريق عليهم في القيام بشيء فإنَّه سيعمل على إتلاف أي خوارزمية عقلية لهم قد تقف في وجه أخطائه، وأفضل وسيلةٍ لذلك هي بثُّ الرعب في الأرجاء.
في ذلك يقول المفكر السياسي الإيرلندي إدموند بيرك ” ليسَ هناك شعور يسلب العقل كلَّ قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثرة مثل الخوف “
حينما يتناقل المواطنونَ على الدوام فيما بينهمْ أخبارَ اختفاء رجلٍ من درب التبانةٍ لأن لسانَه زلَّ وبانَ عن كلمةً تحتمل في وجهٍ من وجوهها معنىً لا يستوجب الكمال للسيد الرئيس، فهذا يعني أنَّ شجرة الديكتاتوريَّة الخبيثةِ قد أحكمت جذورها في أرض المجتمع ولم ينتدبَ لاجتثاثها بعدُ عقولٌ وإرادات.
منْ يرى هذا الانسلاخ الرهيب للمسؤول عن شرعيَّته ولهاثه وراء الحظوظ الذاتيَّة مع حلول العجر فيه لن يملك وسيلةً للحياة إلا من خلال النسيان، سوفَ ينسى كلَّ تلك القبائح والشناعات، وسوفَ يُغرِق عقلَه في التفكير بأي شيء متاح بعيداً عن ذلك المسؤولِ وغوغائيته، وسوفَ يئد وعيه السياسي بيديه دون حسرةٍ أو ندامة.
هذه الكوابيس المخيفة قد عيشت وتعاش، وما تُشْعرِنا بلهيبِ شناعته السطور المقروءة ما هو إلا صورة من صور الجحيم الواقعي الذي تكتوي بنيرانِه الكثير من شعوبنا مع الأسف.
فمتى ستنتهي هذه الكوابيس؟ ومتى سنستيقظ على أنغام قيادة واعية تعمل للمواطنينَ وبهم؟
ذلك كلُّه رهْن بصلاحِ جيل شبابنا وتوقُّدِ همَّته, فاللهمَّ بارك لهذا الجيلِ وأشعلْ لأجل الأمة بالصدقِ همَّتَه.