يوسف تركي |
بالنسبة إلى عامة الناس فإنَّ البساطةً تلقى قبولاً أكثر من التعقيد، فالإنسان صاحب العيال الذي أعياه تعب اليوم لن يكون لديه الوقت الكثير لكي يجعل عقله حكمًا على كل شيء، وخاصة في تعاطيه وحكمه على الأمور ذات البعد السياسي، لكن ذلك لا يعني له أن يبتعد عنها؛ لأن ذلك سيشعره أنه أقل من سائر الناس التي تطلق حماسها، وتهتف بانفعالٍ يورثها إحساس العطاء لصالح سياسات معينة. طبعًا لا يهمُّ معرفة فهمها لما تهتف له وتذود عنه، إنما يهم منظرها الحيوي وظاهرُ حملِها لمسؤوليات تعمل لأجلها.
في تلك الحالة فإنَّ على صاحب العيال ذلك إيجاد طريق سهل، يقدم وجبة مغذيةً لحماسِه، سريعةَ الهضم لا ترهقه بإجهاد المضغ، ولا حلَّ أفضل لمشكلته من أن يميلَ بسمعه إلى أولي السياسات الطائشة الحماسيَّة التي تمنح بدورها جرعات مريخيَّة التوتُّر من الإحساس بالعطاء والذاتيَّة، وإنَّه إن مالَ تُخطِّفَ.
لعلَّ طموحات سياسيَّة تتمثل بـ ” فتح روما، والتحضيرِ لخسئِ الدجال، ومحاربة 95% من الكرة الأرضية والانتصار عليهم من خلال الأسلحة الخفيفة” تشكل أدواتِ التنظيماتِ التطرفية إلى جذب تلك العامة المتعبَة، وتصييرها حجارةً تشتعل بها سفاهة أحلامهم، وأخطاؤهم السياسية الغارقة في اللامنطقية.
إنَّ الإيمانَ يمنح شعورًا بالراحة بخلاف الشك، وإنَّه ليس ثمَّة فاعليَّة أعلى حينَ التعاطي في السياساتِ مع العامَّة من اللعب على وتر الإيمان، وتقديم تفسير غير معقَّد للعالم. إذ إنَّ أيَّ زاعمٍ للزعامة إذا نسبَ السياساتِ البسيطة إلى ادعاء الهدي الإلهي فإنه لن يواجه أي أسئلة صعبة عن الأخطاء المنطقية الفاضحة في مناقشاته، طبعاً هذا إن سمحَ لأحد أن يسأل.
إقناع العامَّة بجعلِ سياسات بشريَّة غير عقلانيَّة جنبًا إلى جنب مع غيبيَّاتِ الدينِ في ميزانِ الإيمانِ لهوَ من أعظم الهجوم النتنِ على عقل المؤمن، ولهو حالة من السمسرةِ التي لولا حدوثها ورؤيتها واقعًا لما كانَ أحد ليصدق أنها قابلة لأن توجد.
إنَّ أيَّ من يتكلم في أمرِ العامة لهو ملزم بالحجج العقليَّة التي يقرُّ بمنطقيَّتِها البرُّ والفاجر، وإنَّ أي تغطية لخلل ما في سياسةٍ معيَّنة باسمِ الإيمانِ غير مقبول، وأمَّا فيما يتعلَّق بتلك العناوينَ الصارخة الخالية من المنطقيَّة فإنَّها لا تلبث أن تزول ويراها الجميع على حقيقتها, كما كانَ.
نعم أيها السادة، لَتطويرُ نظرة الجموع في التعاطي مع مفهوم السياسة حاجةٌ ملحة جدًّا في عصرنا هذا، يجب العمل فيها على إماتة أي حالة من السوق السياسي الذي يهمش العقل ويلغيه، فذلك لوحده فجيعةٌ كارثيَّة حتَّى وإن كانت النتيجةُ فتحَ كوكب المشتري لا مجرَّد روما كما قالوا.