إنه فلم قصير من المدرسة الفلسفية الرمزية، إذ يقوم المعلم في مدرسةٍ ما بفرض مساواة غير منطقية على الطلبة وهي أن اثنين زائد اثنين يساوي خمسة!
يعترض طالب فيقمعه المعلم فيقرّ بذلك مكرهاً، ليقوم آخر بالاعتراض موجهًا كلامًا للمعلم والطلاب الذين يعلمون الحقيقة، فيستدعي المعلم طلاب الانضباط ومع ذلك يصرُّ الطالب على الحقيقة البدهية، فيُقتل لأجلها!
يمثل المعلم رمز الطغاة، والمدرسة رمز المجتمع المقموع بالأجهزة الأمنية.
كم من الحقائق التي يعرفها الناس ويقوم الطغاة بمسخها وتشويهها ليقوم الناس بالتصديق الزائف طمعًا أو رهبًا!
إن الحرية حقيقة، وهي ماثلة في أذهان الجميع، لكن عندما تمسّ الطغاة يصوّرونها للناس على أنها إرهابًا وتخريبًا وخيانة للوطن، فيُعمد إلى قمع من ينادون بها، وعندما يقوم البعض بالصمود في وجه الطاغية يُعمد إلى القبضة الأمنية للتنكيل بهم ليكونوا شهداء الحرية، بينما يلزم البقية الصمت! بل وقد يقفون في وجه المنادين بالحرية التي يقرون هم أنفسهم بها!
ولأن الطغيان صفة تتعدّى لغير شخص، فكم نرى في أخلاق يلبسها الطغاة ثوب الفضيلة، يحاولون فرضها على المجتمع المنهك بتحصيل لقمة العيش التي باتت المحّرك لذلك المجتمع، كالأنانية والرشوة والاستيلاء على أموال الغير وسلب الحقوق بدعاوى متعددة، وفرض السيطرة على الحكم أو الإدارة من قبل فئة من المتنفذين هي رذيلة تجعل من أفراد المجتمع أتباعًا لا يملكون قول (لا) في وجه أولئك المستبدين، ويصبحون أصفارًا غير فاعلة في معادلة الحياة.
وبذلك يصبح المجتمع متآكلاً متهاويًا غير قادر على النهوض، وهنا يبرز دور النخب في مواجهة أولئك الطغاة والمنفذين لقيادة الأفراد نحو الحقيقة الماثلة في أذهانهم رغم الفاتورة العالية التي قد يدفعونها، فالمبادئ والحقائق تحتاج في كثير من الأحيان الى التضحية لأثباتها، وقد تصل إلى الحرمان من حق الحرية بالاعتقال أو حق الحياة بالموت.
وكما يقول سيد قطب: “كل كلمة عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حيّ ” ويقول أيضًا: ” كلماتنا بين الأموات، فإذا ما متنا عاشت”
كم من النماذج التي رفدتنا بها الإنسانية عبر التاريخ تؤكد دور النخب في تغيير قناعات المجتمع بذاته ومن ثم تمكين ذلك المجتمع ليتبنَى أفكارهم التي ترسخ الحقائق وتعري الأوهام التي يحاول البعض نشرها وفرضها للسيطرة على ذلك المجتمع ومقدراته وقراراته! أمثال مارتن لوثر كينغ الذي نادى بالمساواة بين البيض والسود في أمريكا حتى استطاع تمكين السود من اتخاذ قراراتهم وإثبات وجودهم، وكذلك (مالكوم إكس) الذي نادى بذلك أيضاً، ونيلسون مانديلا الذي اعتقل لسنوات لكنه جعل من جنوب إفريقيا بلدًا حضاريًّا، وكل الذين قضوا في سبيل ذلك..
ولنا في رسول الله أسوة حسنة في هذا المجال، فقد حّول قبائل الصحراء إلى أمة تسود العالم بالعلم والحضارة والتسامح. وأخيرًا لابد للمثقفين والنخب المجتمعية من أخذ زمام المبادرة والتشمير عن هممهم العالية لإحداث التغيير في المجتمع.