ثارت في الفترة الأخيرة موجة من التساؤلات والإشاعات حول لقاح الإنفلونزا، فقد ازدادت في السنة الماضية أعداد المصابين بالإنفلونزا ممن تلقوا التطعيم الذي كان سبباً للإصابة من المرض بدلاً من أن يكون وقاية منه.
وتناقلت الصحف أن الطبيب تيموثي كاننغهام وعمره 35 عامًا ويعمل في فريق الصحة العامة أنه أعلن في شهر كانون الثاني من 2018 أن اللقاح غير آمن أبدًا بل إنه قاتل، وأن هذا اللقاح وراء الانتشار الكبير للإنفلونزا، وأضاف لاحقاً أن ارتباط اسمه بهذا التصريح قد يكلفه خسارة عمله، أو حتى مصيرًا أسوأ.
وفي 12 شباط فُقِد الطبيب تيموثي، لتجد الشرطة جثته لاحقًا غارقة في نهر، وعلى الفور ربط الكثيرون بين تصريحاته السابقة والمصير الذي لاقاه، ونقلت حسابات عربية مليونية الجدل في الأوساط الأمريكية متبنّية نظرية المؤامرة.
إن فيروسات الإنفلونزا من فئة RNA تنقسم إلى ثلاثة سلالاتA، B، C الغالبية العظمى من الأعراض تسببها السلال تانA وB.
تنقسم فيروسات الإنفلونزا سلالة A إلى العديد من الأنواع الفرعية، لكن عادة ما ينتشر نوعان فرعيان على نحو أوسع خلال الموسم الواحد.
لذا تسمى لقاحات الإنفلونزا لقاحات ثلاثية السلالة؛ لأنها تحمي من نوعين فرعيين من فيروسات الإنفلونزا A ونوع واحد من فيروس الإنفلونزا B الذي لا ينقسم إلى نوعيات فرعية، لذلك يسمى لقاح الإنفلونزا الثلاثي.
وتتميز فيروسات الإنفلونزا بالطفرات المتعددة، تلك الطفرات تتسبب في تغيير شكل الفيروس مما يمكنها من خداع الجهاز المناعي للإنسان، وعادة ما تحدث تلك الطفرات سنويًّا، ولمواكبة هذه الطفرات تتغير لقاحات الإنفلونزا الموسمية سنويًّا؛ لتتناسب مع السلالات المنتشرة كل شتاء، وبالتالي يصبح لقاح العام السابق لا يناسب هذا العام.
إلا أن البعض يخلط بين مرض الإنفلونزا ونزلات البرد الخفيفة (الزكام) مما يجعل يؤدي إلى تهاون بمرض الإنفلونزا، وهذا غير صحيح بالمرة؛ حيث إن الإنفلونزا على عكس نزلات البرد يمكن أن تسبب مضاعفات خطيرة قد تصل في بعض الأحيان إلى الوفاة. وقد ثبت علميًّا أن الإنفلونزا الموسمية تصيب سنويًّا حوالي 600 مليون شخص، ويموت بسببها ما يصل إلى 500,000.
وهو ما دعا مجلس الصحة الأوروبي للقول بأن مرض الإنفلونزا الموسمية يحصد من الأرواح سنويًّا في أوروبا وحدها أكثر مما تسببه حوادث الطرق.
تتراوح فترة حضانة فيروس الإنفلونزا بين 1-4 أيام، فتبدأ الأعراض عادة بالظهور في اليوم الثاني من العدوى، ويتميز مرض الإنفلونزا بحمى مفاجئة، والتهاب في الحلق، وصداع شديد، وألم عضلي، ورعشة، وتعب شديد، وبعض هذه الأعراض يمكن أن تميز الإنفلونزا من نزلات البرد الشائعة العادية.
إن طريقة تطعيم الإنفلونزا تكون بحقن الشخص بأجزاء مشتقة من فيروسات الإنفلونزا الأكثر شيوعًا، ويقوم بعدها جهاز المناعة بإنتاج الأجسام المضادة (المضادات المناعية) ضد هذه السلالات، وقد تستغرق هذه العملية مدة أسبوعين ليكتسب بعدها الشخص حماية ضد هذه السلالات.
وثمة فئات تعد الأكثر عرضة لخطورة مضاعفات الإنفلونزا، إلا أن النساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون بعض الأمراض المزمنة هم الأكثر خطورة للمضاعفات والوفيات المرتبطة بالإنفلونزا، وتشمل أمراض الرئة المزمنة كالربو، وأمراض القلب والسكري، والمرضى الذين يعانون من ضعف المناعة الوراثية والمكتسبة، وأمراض الجهاز العصبي، وكذلك المقيمون في بيوت التمريض ومرافق الرعاية طويلة الأجل.
أما الفئات الواجب عليها التطعيم ضد الإنفلونزا فهي تتجلى بمرضى السكري، والمرضى الذين يعانون الربو أو الأمراض الرئوية المزمنة الأخرى، والمصابون بأمراض القلب المزمنة، والمصابون بأمراض الكلى المزمنة، والمصابون بأمراض الكبد المزمنة، وأمراض الجهاز العصبي المركزي، والمصابون بضعف جهاز المناعة سواء الوراثي أو المكتسب (كالأورام وبعض الأدوية والعقاقير مثل الكورتيزون، وأصحاب السمنة المفرطة، والنساء الحوامل، والأطفال من 6 أشهر إلى 18 سنة، الذين يتناولون علاج الأسبرين لفترة طويلة، والأطفال من سن 6 أشهر إلى 5 سنوات، والفئة العمرية 50 سنة فأكثر، وجميع العاملين في الرعاية الصحية من أطباء وفنيين وطاقم التمريض (.
أما بالنسبة إلى وقت اللقاح، فيأخذ متى توفر، وعادة يكون متوفرًا في شهر أكتوبر، ولكن يجب الاستمرار بأخذ اللقاح في أي وقت طوال فصل الشتاء مادامت فيروسات الإنفلونزا سارية ومنتشرة حتى في شهر يناير.
وبعد البحث والتقصي في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والمواقع الطبية الشهيرة توصلنا لما يلي:
صحيح أنه تم العثور على جثة الطبيب تيموثي كانينجهام؛ اختصاصي الأوبئة في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في نهر أتلانتا بعد أكثر من ستة أسابيع من الإبلاغ عن اختفائه. (ولم يتم بعد تحديد ظروف موته).
لكن لا يوجد معلومات موثقة ذات مصداقية تفيد بأن الدكتور كانينجهام قد أدلى بتصريح يقول فيه إنه يرى لقاح الإنفلونزا مسؤولاً عن انتشار الإنفلونزا بشكل وبائي، ومن المعروف أن موقع “نيوز واير” الذي نشر الخبر لأول مرة قد نشر مراراً مقالات خاطئة كاذبة عن الآثار الضارة المزعومة للقاح الإنفلونزا لم تخرج عن عرض آراء لا تقوم على دليل علمي.
وعند تتبع التصريح المنسوب للطبيب تيموثي وجدنا تصريحًا لطبيب لم يُذكَر اسمه قال فيه: “رأينا أشخاصًا يموتون في جميع أنحاء البلاد، والشيء الوحيد المشترك بينهم هو تناولهم للقاح الإنفلونزا”, ولم تذكر المقالة اسم الطبيب تيموثي. كما أن المقال ذكر العديد من المعلومات الخاطئة، بما في ذلك أن لقاح الإنفلونزا فعَّال بنسبة 10% فقط في حين إنه فعَّال بنسبة 36%، وأن الإنفلونزا عام 2018 كان أكثر عام انتشر فيه وهذا غير صحيح.
كما أن الدكتور تيموثي عمل في قسم الأمراض المزمنة وليس الأمراض المعدية، ولم يكن بوسعه الاطلاع على مواد مصنفة.
وبالتالي فإن نظرية أن يكون لقاح الإنفلونزا مؤذيًا وأن الطبيب تيموثي قُتِلَ بسبب تصريحاته التي لا تتناسب مع مصالح شركات الدواء، نظرية لا تقوم على دليل، إنما مجرد شائعات تلقفها أصحاب الحسابات المليونية العربية من غير المختصين وعملوا على نشرها.