قالت بغصة: “لن نقتل أولادنا مرتين، مرة بالحرب ومرة بالجهل.” هكذا قالت السيدة (هناء) والدة الطفلة (ريم) ١١ عامًا التي ماتزال طالبة في الصف الثالث بدل أن تكون مع أقرانها في الصف الخامس، إذ تلاقي صعوبة بالغة في مبادئ القراءة والكتابة جعلتها تتغيب عن المدرسة وتكرهها، وذلك ردة فعل سلبية منها على تأخرها دراسيًّا بما لا يتناسب وعمرها.
ما وصلت إليه “ريم “كان نتيجة للانقطاع الدراسي في السنوات السابقة بسبب الحرب وتبعاتها، ما جعلها والكثير من الحالات المشابهة لها تدفع ضريبة عالية من حقها في التعليم.
والدة ريم السيدة “هناء” تخضعها لدورات تعليمية ودروس خاصة، لترفع مستواها رغم ظروفها المادية الصعبة، تقول: ” “أنا لم أكمل تعليمي، وأردت تعويض ذلك في أبنائي.”
إن العملية التعليمية اليوم أمام تحدٍ كبير وجهد من قبل الأسرة والمدرسة على حدٍّ سواء، فالجهتان معنيتان بنقل الطالب من مستنقع الجهل والانقطاع عن التعليم، إلى مرحلة ينيرها العلم ويمسح عنها غبار الحرب وتوابعها من تخلف وأمية، وبالتالي فإنَّ الاعتماد على جهة واحدة دون الأخرى لن يؤتي أكله فلا بدَّ من تعاون وتكافل بينهما للحصول على النتائج المرجوة.
على ضوء ذلك التقت صحيفة حبر المعلمة (نوال محمود) لتلخص من خلال تجربتها الشخصية تبعات هذه المشكلة على الطلاب والمدرسين، وفي ذلك قالت: “لاحظت صعوبة عند معظم طلابي في تهجئة الحروف وقراءتها بشكل صحيح، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على الكتابة غيبًا مع أنهم في الصف الرابع، وهذا لا ينسجم مع منهاجهم المخصصة، فقمت بإعادة الحروف عليهم ومراجعة المبادئ الأولية للكتابة لأكوّن أساسًا متينًا ثم انتقلت بعد ذلك معهم إلى المنهاج.”
ولكي نصل إلى حلول يمكن تطبيقها على أرض الواقع، تحدثنا مع المرشدة النفسية السيدة (نجاح بالوش) التي أرجعت الضعف الدراسي إلى أولى مراحل التأسيس وهي المرحلة التحضيرية (روضة الأطفال) وفي ذلك توضح: “الخلل يكمن في تجاوز هذه المرحلة ودخول الصف الأول مباشرة دون تحضير مسبق له، فضلاً عن الحرب التي كان لها اليد الطولى في ذلك، وبالتالي فإن الطالب هو الخاسر الأكبر بعد كل هذه الفوضى، وهنا يأتي دورنا نحن المعلمين والإداريين في توجيه الاهتمام على طلاب الصف الأول، إذ يجب أن نراعي أن هناك طلاباً راسبين من العام الماضي، وآخرين لم يتلقوا أي تعليم مسبق لظروف عدة، حتى لا يكونوا ضحية الفوارق المادية أو عدم اهتمام الأسرة بذلك، وكذلك يجب مراعاة الفوارق الذهنية واختلاف نسب الاستيعاب لدى كل طالب ليأخذ كامل الصف حقه في المشاركة، فلا نحمله ذنب تأخره دراسيًّا كيلا نكون سببًا في انقطاعه عن المدرسة ونفوره منها.”
بالإضافة إلى كل ذلك تحدثت المرشدة نجاح عن أساليب التعليم ودرورها بقولها: “إن تجنب التلقين النظري الجامد والتركيز على الأنشطة الترفيهية والأساليب المحفزة في طرح المعلومات سواءً بالصور أو التعزيزات المعنوية وعبارات الثناء بدلاً من التنمر والتقليل من شأنه أمر مهم يجب مراعاته من قِبل المعلمين، فأساليب التدريس النمطية المملة التي تنشئ جيلاً مدجناً يحفظ بدل أن يفهم يجب الابتعاد عنها.”
محاربة مخلفات الحرب لا تتأتى بين ليلة وضحاها، فالصف الذي فيه ريم جلُّه يعاني مما تعانيه، وهذه الحالات تحتاج إلى تضافر كل الجهات المحيطة بالطفل لإعادته إلى مستواه التعليمي الذي يناسب عمره.