“آخر اتصال لأمي كان مع والدي وهي على مشارف مدينة حمص عند حاجز القطيفة، أخبرته أنها ستكلمه بعد الانتهاء من الحاجز، بعد دقائق حاول والدي الاتصال معها، لكن ما من مجيب، وبعد قليل أصبح هاتفها خارج التغطية.”
كان عمر هيام 13 عامًا عندما حدث ذلك، لتصبح أمًّا لطفلين لم تنجبهما بعد اختفاء والدتها، بالإضافة إلى إكمال دراستها.
اختفت والدة هيام أثناء سفرها إلى لبنان لرؤية زوجها الغائب، وبعد عمليات البحث المستمرة وسؤال العديد من الجهات الحكومية وغيرها تبين أن والدة هيام (بشرى المحمد) قد اعتقلها النظام لأنها كانت ممرضة تقوم بمعالجة الجرحى جراء قصف النظام لبلدتها في “دركوش” غرب إدلب.
رحلت الأم (بشرى) وتركت لابنتها الصغيرة أخوين صغيرين دون معيل، وأما والد هيام فعودته إلى بلدته مستحيلة خوفًا من الاعتقال وعدم وجود أي طريق يوصله بسلام لأبنائه، لتبقى هيام هي الأم والأب لأخويها ولنفسها أيضًا.
تروي هيام لصحيفة حبر: “أتذكر ذلك اليوم الذي غادرت فيه أمي لرؤية أبي بكل تفاصيله الصغيرة، كانت تقف عند باب المنزل والدموع تغطي وجهها كأنها كانت تعلم بأنها لن تعود من جديد.”
تتابع هيام: “غادرت والدتي أثناء إعدادي لامتحان الصف العاشر، كنت أتصل بوالدي بشكل متكرر لأطمئن على وصولها بعد مرور يومين من سفرها، إلا أن أبي كان دائمًا يقول لي لست في البيت وأنه في العمل ولا يخبرني بأن والدتي لم تصل كيلا ينشغل بالي.
في صباح يوم السبت 4\4\ 2013 أخبرني والدي بأن أمي مفقودة ولا يعلموا شيئا عنها أو عن مكانها، لتبدأ رحلة المعاناة واليأس والأمل معًا بكذبة اعتاد الكثير على سمعها كـمخدر “عشرة أيام وبتطلع” وتوالت السنوات وأمي لم تخرج.
بعد مضي خمسة أشهر على اختفائها علمنا أنها في أحد معتقلات النظام بعد مشاهدة اسمها في الفرع 48 التابع لأمن الدولة، لم نترك وسيلة للوصول إليها أو لرؤيتها ولو لثانية واحدة، كما قمنا بدفع أموال كثيرة لأشخاص أكدوا لنا أنهم شاهدوها لكن لم يكن هناك شيء موثق.”
تتابع هيام: “بعد مرور ثلاث سنوات من اختفاء أمي سمعنا بخروج إحدى النساء المعتقلات من منطقتنا في دركوش، فذهبت إليها لعلي ألتمس منها خبرًا عن أمي، لكنها لم تتكلم أو تنطق بأي كلمة، كانت خائفة جدًا لأنها تريد السفر مجددًا إلى لبنان لرؤية أطفالها، ومع إصراري الشديد وتكرار ذهابي إليها والإلحاح عليها للتكلم قالت لي: إنها لم ترَ والدتي، لكن خلال تبديل غرف المعتقلات حدثتها امرأة عن واحدة تدعى بشرى المحمد وهي من مدينة إدلب كانت تعلمهم القرآن وتحفظهم بعضًا من آياته، وفي الليل تذكر أطفالها وتحدثنا عنهم وتسأل نفسها ما هو حالهم، وبالتأكيد هي أمي.”
وحول رعايتها لأخويها تضيف هيام: “أربيهم باهتمام وأهتم بتدريسهم إلى جانب إكمال دراستي، إنه أمر صعب ومسؤولية كبيرة خاصة أنهم صبية ويصعب التعامل معهم، كان أخي الصغير مصابًا بمرض الربو، عشت شعور الأم وخوفها الدائم من فقدان طفلها، تعلمت الإسعافات الأولية وكيفية استعمال جهاز الربو، كنت مستعدة لأي طارئ، وتمكنت من تجاوز جميع الصعوبات بدعم والدي عبر التواصل ومساعدة جدتي وشعوري الدائم بوجود أمي بجانبي رغم غيابها.”
انتقلت هيام من دراسة الأدب الإنكليزي إلى دراسة الإعلام في جامعة إدلب لعلها توصل رسالتها وتعبر عمَّا بداخلها وتتمكن من إيصال أصوات المظلومين وتنقل آلامهم ومعاناتهم التي مروا بها في الحرب.
“هيام” واحدة من بين آلاف القصص التي تعرض لها الشعب السوري جراء الحرب التي أعلنها النظام على كل من أراد التحرر من الظلم والعبودية، فكان الموت حليفًا للبعض، والفقدان حليفًا لآخرين ليبقى وراء كل ميت أو مفقود عائلة تعيش على أمل اللقاء.