يستقيل ديمستورا طباخ المفاوضات وعرَّاب الحوارات وعرِّيف الحفلات والجمعات، بعد أن أحرق الطبخة ووجوه (المعازيم) وأوصل نتن طبخته إلى كلّ الحاضرين.
وقبل أن يغادر مطبخه يحاول أن يزين الطنجرة المحروقة ووجه الأسود ببعض الكريمات والتوابل، ولأنه يستعجل الخروج قرر أن يقدم التزيين في تقرير أمام مُلَّاك المطبخ ليخبرهم كيف بإمكانهم أن يُطعموا الناس طبخته دون أن يشعروا بفشل الطباخ وخبث أدائه، ومن أجل أن يستفيد الطباخ القادم من وصفات ديمستورا وخلطاته العجيبة، فالحفلة ما زالت في بدايتها و(المعازيم) لم يأكلوا شيئًا منذ سبع سنوات، وهم ما زالوا يلهثون وراء ديمستورا وأشباهه وطبخاتهم منذ احترفوا الرقص وتعودوا على اللحم والكبب، والشرب والرقص والطرب، ونسوا أكل الحلال وشيم الرجال، وتحول فأسهم من أداة يضربون بها الأرض إلى أداة يضربون بها رقاب بعضهم البعض.
لم يفعل ديمستورا شيئًا سوى أنه أعاد تقطيع المصالح التي تمثل الشعب السوري، وفي كل مرة يجعلنا نشعر أنّ هذه القطعة الصغيرة غير مهمة، ولا مشكلة في التنازل عنها أمام الحصول على قطعة أكبر، سرعان ما كان يعيد تقطيعها بين صغيرة وكبيرة حتى لم يبقَ في أيدي المفاوضين إلا بعض الفتات ومصالح أزلام الدول والمخابرات ليفاوضوا عليه، ويحتفظوا بوجودهم من خلاله كخدمٍ مطيعين، وعلى الطباخ الجديد، أن يحسن قيادة ما دجَّنه ديمستورا له وأن يزيد عدد المفاوضين لكي تتجزأ المصالح أكثر فأكثر.
وكل طباخ يرحل ثم يعتذر أمام جموع (المعازيم) بأن ما تركه من كان قبله لا يصلح لأن يُعدّ لهم وجبة تُسكت جوعهم، وأن عليهم أن يأكلوا من طنجرته المحروقة إذا أرادوا البقاء على قيد الحياة، وإلا فإن الموت بانتظارهم وستتخلى عنهم كل مطاعم العالم ومطابخه.
المدير العام | أحمد وديع العبسي