جاد الغيث |
منذ مدة طويلة لم أسمع أغنية (أطفالك سورية رجال) تلك الأغنية التي رفعت رؤوسنا عاليًا مع بداية الثورة في سورية، لكن الحال اليوم يشبه غصة مخنوقة في حناجر الأطفال الذين صاروا شبابا!
لا عجب بعد حرب سبع سنوات أن يغدو أطفال سورية رجالاً بكل معنى الكلمة، لكن هؤلاء الرجال ليس لهم مهنة يقتاتون منها، ولم يستطيعوا إكمال تعليمهم في ظل الحرب، واليوم تتنكر لهم الثورة كأنهم ليسوا أبناءها!
تتأخر رواتبهم الضعيفة، وتنخفض المزايا التي كانوا يتمتعون بها، هم شباب أميون لم تتجاوز أعمارهم العشرين استهلكتهم جبهات الرباط، يرابطون بأسلحتهم التي لم تعد تطلق ولا طلقة واحدة باتجاه جيش النظام، وأما أجرهم فهو عند الله!
المال القليل الذي يأتيهم لا يكفي لشراء رصيد لشحن هواتفهم بالإنترنت، أما من تزوج منهم فقد صارت أعباء حياته أثقل من أن تحتمل، لا شيء يعوض سنوات الحرمان التي انقضت، حرمان من الأمان والتعليم والحياة المناسبة لشباب مازالوا في طور الطفولة وفقًا لحقوق الإنسان.
يزداد الوضع سوءًا وألمًا عندما تلتقي بمصاب شاب بُترت ساقه أو يده اليمنى وغدا معاقًا مدى الحياة، بعض أولئك المصابين ليس لهم راتب من الفصيل العسكري الذي يتبعون له، ومنهم من يحلم بساق صناعية تساعده على السير دون عكازات، ومنهم من يحلم بكرسي متحرك لا أكثر!
حال الشباب المرابطين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في المرتبة العاشرة بين فئات الثوار كانوا في سابق الأيام في المرتبة الأولى، ليسوا هم وحدهم في ذلك، إنما ينضم إليهم مع اختلاف في المراتب المتأخرة، الإعلاميون أو بالأحرى المصورون الذين لا يجيدون شيئًا في حياتهم سوى التقاط الصور.
كان القصف والدمار والقصص الإنسانية مادة رئيسة لصورهم المأساوية التي كانت تدر عليهم المال، أما اليوم فقد أصاب كاميراتهم شيء يشبه الصدأ، الوجوه الباكية مسحت دموعها، والقلوب الشاكية توقف نبضها، وكثير من الوكالات والمواقع الإخبارية أغلقت أبوابها.
فماذا يصنع هؤلاء الإعلاميون الشباب الذين حالهم كحال المرابطين والمسعفين ورجال الدفاع المدني وموظفي الإغاثة وغيرهم؟! هل فرص عملهم ضاعت بانتهاء الأحداث وربما بانتهاء الثورة واتجاهها نحو الحل بغض النظر عن ماهيته ومدى رضى الناس به؟!
بعض الشباب كان أكثر وعيًا لواقع الحال، أعرف منهم من تابعوا تحصيلهم العلمي وهم في الرباط مستفيدين من ساعات طويلة يمضونها بلا عمل.
وأعرف صديقًا إعلاميًّا مبدعًا في التصوير يجلس خلف عربة صغيرة أمام بيته لبيع المشروبات الباردة، عله يخفف على الناس حرَّ الصيف، ويخفف عن نفسه نار قلبه الذي يحترق وهو يشكو لي من الديون التي تقض مضجعه ليل نهار.
هي الحياة نصارعها في السلم والحرب، وهناك من كان أكثر ذكاء ودهاء واستطاع أن يقفز في الوقت المناسب خارج المسبح الكبير الذي راح ماؤه يغلي، هاجر أو غيَّر مهنته أو اصطلح مع الواقع الجديد، لكن ماذا عن أولئك الذين لا يجيدون شيئًا في حياتهم سوى الرابط؟! هل سيظلون مرابطين مدى الحياة؟!