بعد نحو أربعة أسابيع من اختقاء الصحفي والكاتب السعودي الشهير “جمال خاشقجي”، لا يبدو أن الأمر يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل ولي عهد المملكة “محمد بن سلمان” في العرش، لكن من الواضح أن نفوذه سيتقلص.
هذا هو ما خلصت إليه صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها، رصد كافة تطورات قضية مقتل “خاشقجي”، بعد دخوله القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من اعتراف السعودية بمقتله داخل القنصلية، إلا أنه حتى الآن لم يستدل على مكان جثته، لافتة إلى أن المحققين الأتراك لا يزالون يتحركون بلا انقطاع على هذا الصعيد، وكانت أحدث تطورات الأمر هو تفتيشهم بئرا قديمة داخل منزل القنصل السعودي بإسطنبول، بعد أن واجهوا رفضا متكررا من قبل السعوديين للأمر، فضلا عن مسحهم أجزاء من منطقة غابات بلغراد في إسطنبول ومزارع بإقليم يالوفا.
وأضافت أن تركيا كرست من أجل مهمة التحقيق في الأمر، نحو 750 ضابطا وفرد أمن، من بينهم محققين جنائيين وخبراء بمكافحة الإرهاب، وتم استجواب نحو 38 شخصا، حتى الآن.
واعتبرت أن مزاعم الرياض بأن جثة “خاشقجي” تم لفها في سجادة، وتسليمها إلى متعهد محلي للتخلص منها تعد تخريجا مريحا لإعلان محتمل من السلطات السعودية بأنها لا تستطيع تحديد مكان جثة الصحفي البارز.
وأشارت “الغارديان” إلى أن الفريق السعودي الذي قتل “خاشقجي” داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، يبدو وكأنهم أرسلوا خصيصا لغرض القتل، فكلهم –تقريبا- أعضاء في المؤسسة الأمنية السعودية، ينتمون إلى وحدات النخبة في الجيش ووكالات الاستخبارات، ومنهم أربعة من مرافقي “بن سلمان” في زياراته الخارجية الأخيرة، وقد تم تصويرهم بالقرب منه، ويعتقد أنه تم اخيتار الفريق من قبل المستشار “المقال” بالديوان الملكي “سعود القحطاني”.
وانتقدت الصحيفة البريطانية، ضمنا، رد فعل لندن إزاء ما حدث، قائلة إن بريطانيا تعتقد أن علاقة جيدة مع السعودية هو ضرورة “اقتصادية وأمنية ودبلوماسية”، حيث ترى لندن الرياض باعتبارها قوة مستقرة ضد إيران والإسلام السياسي في المنطقة.
وقالت إن المدافعين عن العلاقة بين بريطانيا والسعودية يستندون إلى أن ولي العهد السعودي وقع، خلال زيارته الأخيرة إلى لندن، في مارس/آذار الماضي، اتفاقيات استثمار متنوعة بين البلدين بلغت قيمتها 65 مليار جنيه استرليني (90 مليار دولار)، وهو رقم ضخم للغاية.
وأضافت “الغارديان” أن بريطانيا باعت للسعودية خلال عام 2016، سلع وخدمات بقيمة 6.2 مليار جنيه استرليني.
لكن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى المملكة لا تعد ضخمة، كما يشاع، حيث أشار بحث نشرته كلية كينغز، إلى أن مبيعات الأسلحة في 2016 بلغت فقط نحو 30 مليون جنيه استرليني.
وألقت الصحيفة الضوء على ما وصفته بتراجع فرنسا عن خطط لمنع بيع الأسلحة إلى السعودية، مشيرة إلى أن باريس باعت خلال العام الماضي للرياض أسلحة بقيمة 1.5 مليار يورو.
واعتبرت المجلة أن قرار بريطانيا بسحب تأشيرات 18 سعوديا مسؤولين عن اغتيال “خاشقجي” بداية لشكل من أشكال الرد المنسق، ربما على مستوى وزراء خارجية مجموعة السبع، على التجاوز السعودي.
وقالت إن التوصل إلى إجماع على هذا الأمر في مجموعة السبع سيصعب على السعودية الرد بشكل انتقامي، كما هددت من قبل.
وكان لافتا، بحسب الصحيفة، حالة الصمت التي عمت الخليج إزاء الجريمة التي تم ارتكابها واعترفت بها السعودية، لكن موقف قطر –التي تعيش نزاعا حاليا مع السعودية– كان هو المختلف، حيث اعتبرت أن الحادثة تعد جرس إنذار للمنطقة بأكملها، وطالبت بتحقيق شفاف في الأمر.