علي سندة |
طلب من ضيفه أن يستلقي فوق سريره الحديدي ليرتاح بعد أن أحسن ضيافته مثلما فعل مع الكثيرين قبله، لكنه جعله يرتاح إلى الأبد بقتله! إنه سريرٌ لا مثيل له بين الأَسِرَّة، لأن طوله يلائم دائمًا مقاسَ الشخص الذي يريد النوم عليه، إلا أن صاحبه لم يكن يفصح للناس كيف لسريره فعل ذلك! لكن عندما يأتي الضيف وينتهي به الإكرام بالاستلقاء فوق السرير يأتي هنا دور صاحب السرير، فيبدأ بربط الضحية بشكل محكم، فإذا كانت رِجلا الضحية طويلتين قصَّهما لتتناسبان وطول السرير، وإذا كانتا قصيرتين جعل يمطهما حتى تنسجمان مع طول السرير!
ورغم أن صاحب السرير اقتص منه بطل إغريقي اسمه (ثيسيوس) بإضجاعه على السرير نفسه وفصل رأسه عن جسده ليصبح ملائمًا لطول السرير جزاءً لما كان يفعله، إلا أن فكره وأفعاله بقيا ماثلان حتى اليوم.
إن بروكرست صاحب الميثولوجيا الإغريقية السابقة اِتُّخذت أسطورته مثالاً لفرض الرأي بالقوة أو فرض قوالب محددة على الأفكار والأشخاص، لتتلاءم بشكل قسري مع ما يفرضه صاحب الرأي المسبق، فغدت روحه موجودة عند أشخاص بعينهم وربما في نفوس الجماعات والمجتمعات أيضًا.
في مجتمعنا السوري بجانبه المحرر ثمة فئات تمثل انتماءات مختلفة لكنها جميعًا التقت عند مطالب عدة اتفق عليها الجميع، وبالتالي هم أصحاب طريق واحد في الحرية المنشودة لسورية المستقبل، إلا أن الغريب، ورغم تجربة السنين السابقة، لم تمت روح بروكرست في النفوس رغم الغاية الواحدة! فقد أصبح قول الرأي في مسألة ما لو كان على صعيد شخصي جزاؤه ذاك السرير الحديدي من قبل المختلفين والمخالفين معه في الرأي! أليست تلك الفئة المصادرة للآراء تطبق المقولة التي استخدمها رأس النظام السوري: “من ليس معنا فهو ضدنا” ألم يكن طريق الحرية ثورة على كل بروكرستي يريد فرض رأيه على الآخرين ولو بالقوة والهمجية؟! بل إن ذلك الذي تمثَّل فعل بروكرست انسلخ من إنسانيته وتحول إلى السباب والشتائم ظنًا منه أنه يدافع عن القضية ويهاجم عدوها الأكبر الذي هو معه في الدرب نفسه! هل ثمة فرق بينه وبين كل طاغية يفرض ممارساته على الشعب بالقوة والحديد والنار؟! ربما أسباب تلك الممارسات تعود إلى ثقافته المجتمعية التي عاشت في تيه سرير الموت الذي حكم على الاحترام بالإعدام زمن النظام، وربما لتعصب أحمق غرضه المزاودة الثورية، أو ربما كانت ممارسته تحاملاً على مجموعة المنظومة القيمية والانتماء الذي يمثله الضحية نتيجة تكوين حكم قيمة مسبق عن تقليد أعمى دون اطلاع.
الرأي يصدر عن مجموعة الأفكار التي تمثل الشخص حيال قضية ما، ومناقشته برأيه من قبل الآخرين الذين ضمن الطريق نفسه مقبول ورائع، وفي أحيان أخرى يثمر ويؤدي إلى وجهات نظر متوافقة، أما فقدان التربية في احترام الآراء بين أصحاب الطريق الواحد فضلاً عن تسويق تلك القيمة الأخلاقية إلى أصحاب الطرق المغايرة لكسبهم أثقلت مركب الحرية بأعباء ناءت بأولي الرأي والحصافة والحكمة على حمله، ليغدو المركب الذي يحمل الجميع على اختلاف توجهاتهم إلى معبر الحرية فريسةً على سرير بروكرست تقوده روحه التي حلت بهم واتحدت، وإنقاذه يتجلى بقتل تلك الروح اللعينة بسلاح الاحترام الذي يجب أن يسود بين المختلف والمخالف.