“القراءة هي ذاكرة الإنسانية الحية، ومستشفى العقول، إذا تسلحتَ بها رفعت مقامك وهذبت خلقك، وشحذت ذكاءك” هذه الكلمات الكبيرة من طفلة صغيرة خطفت العقول قبل الأضواء بفصاحة لسانها، ومتانة لغتها وقوة تعبيرها إنها “مريم أمجون”، الطفلة المغربية ذو التسع سنوات التي سحرت الجميع بفطنتها وثقافتها وبراعة منطقها وثقتها بنفسها في إحدى المسابقات المقامة في دبي التي حملت اسم “تحدي القراءة” متغلبة على كل المشتركين في هذا التحدي.
فتحت هذه الحادثة أعيننا على أمور جوهرية وضرورية لكنها مؤصدة مغيبة في مجتمعنا على الأقل، وهي “صناعة الفكر عند الطفل”، وتنمية مهاراته المعرفية واللغوية في سن مبكر، لنحصل على جيل متسلح بالكلمة، مصان من الجهل والتخلف.
جيل يقرأ ويكتب بدل أن يغني ويرقص، يبحث ويكتشف بدل أن يلصق وينسخ، جيل يعول عليه في بناء الأمة الضائعة في زمن التطور والحداثة.
فمؤخراً، قلما تجد في إعلامنا العربي برنامجًا هادفًا يفيد المتلقي ويكسبه معرفة جديدة، فالإعلام كان منشغلاً بصناعة نجوم الغناء، وكرَّس عدة برامج لاستهداف شريحة الأطفال واليافعين خصوصًا، وعمل على استقطابهم لتلك البرامج وإغرائهم بالشهرة والنجومية الزائفة، وبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة التي كانت من الممكن أن تبني مشفى كبيرًا أو مدرسة أو أي مشروع آخر يفيد الشباب أكثر من الغناء والرقص.
وبزحمة هذه البرامج الخداعة وصلت لنا الطفلة القارئة (مريم) التي أعادت لنا شيئًا من التميز والسعادة كنا قد فقدناه لكثرة ما طفا على السطح من زبد وغثاء.
فالذي ميَّز مريم عند باقي المشتركين هو إبحارها في بحر القراء والمعرفة في سن مبكرة، متكئة على لغة عربية فصيحة، ساعدتها في توسيع مدركاتها، وسلاسة نطقها، ووفرة مفرداتها المعبرة، جعلتها محطَّ إعجاب الجميع.
هذا النموذج الناجح يمكن تعميمه على شريحة واسعة من الأطفال إن تم استغلاله بشكل جيد، بالتشجيع والترغيب والتدريب والعمل، وذلك بعد تنمية حبِّ القراءة عندهم، صحيح أننا نقوم بتعليم أطفالنا القراءة جيدًا في المدارس، لكننا ننسى تعليمهم حبَّ القراءة وهو أمر أهم من القراءة ذاتها، وربطها بتنمية الفكر لديهم، مستخدمين شتى الوسائل المحفزة والمشوقة لجذبهم ولفت انتباههم لأهمية هذا المشروع العظيم، فنحن اليوم بأمس الحاجة لبناء الفكر وتطوير العقل، و تنشئة جيل واعٍ محبّ للعلم والمعرفة المنبثقة من القراءة والمطالعة، فحاجتنا اليوم لإعادة إعمار العقول أشد من إعادة إعمار الأبنية.
ابدؤوا من اللحظة مع أبنائكم، واستبدلوا أجهزة الموبايل والجوالات بالكتاب، دعوا هذا الطفل يتحسس بيديه الصغيرين غلاف الكتاب ويقلب صفحاته ويتأمل صوره الملونة، لتنشأ علاقة حسية بينهما، فيصبح صديقه الوفي.
مع مرور الوقت يصبح الطفل أكثر حبًا للقراءة، وتصبح نشاطًا يوميًا يقوم به، وهذا ما يزيد قوة التركيز لديه و ينشط ذاكرته، فالطفل يميل الى حبّ التجربة والتعرف على أشياء واكتشافها.
“مريم” ممكن أن تكون في كل بيت إن أراد أهله ذلك وعملوا على زرع بذرتها في عقول أطفالنا، فتزهر القلوب وتنار الألباب.
“فكلما قرأت أكثر عرفت أشياء أكثر، وكلما تعلمت أكثر حققت إنجازات أكثر.”