أحد أهم أهداف السياسي أنه يعمل من أجل واقع أفضل للمجتمع، أي أنه يبذل في سبيل الاجتماعي ويقدم خطابه وبرنامجه وفعله السياسي لرفاه المجتمع ورضاه ورفع المستوى الاقتصادي والمعيشي له، وإدارة مؤسساته وحل مشاكله وتعزيز هويته أو حتى إعادة تشكيلها.
إن السلطة التي يسعى لها السياسي هي سلطة اجتماعية بالدرجة الأولى، قيادة الدولة بمؤسساتها التي تخدم المجتمع، وقيادة المجتمع بهوية ومنظومة وجود لشعب وأمة وقومية.
من أجل ذلك لا يمكن أن تتم تنحية الاجتماعي في العمل السياسي، ولا يمكن جعله هامشيًا أو داعمًا أو استشاريًا أو حياديًا حتى، لأن الاجتماعي هو الهدف، وتنحية الأهداف أو العاملين في صلبها هو إفراغ للعمل من مضمونه وجعله مجرد عبث، أو تحويل أهدافه باتجاهات أخرى تخص السلطة بشكل منفصل، وبالتالي إعادة إنتاج الاستبداد والحالة الديكتاتورية والشمولية.
إن الاجتماعي أو العمل المجتمعي يكمن في صلب العمل السياسي، وهو الموجه الأساسي له، الذي يحكمه ويقومه ويضبط محدداته أثناء سيره باتجاه السلطة لكيلا يصل إلى مرحلة يتغول فيها في المستقبل.
فمن الخطورة الكبيرة الدعوة لجعل العمل المجتمعي عملاً حياديًا يبتعد عن السياسي وهمومه، ويكتفي بالصيغة الإنسانية على أنها صيغة حيادية بعيدة عن الصراع السياسي، مع أنّ الإنسانية ومعانيها التي يدافع عنها المجتمع هي مفاهيم تتشكل من خلال امتزاج العمل المجتمعي والسياسي بهدف تشكيل الهوية والثقافة التي تمثل أفراد المجتمع وطموحاتهم السياسية.
فإذا شبهنا السياسي بأحجار الشطرنج القوية فإن الاجتماعي من المفترض أن يمثل بُعدَين في اللعبة، الأول هو الجنود التي تملأ الرقعة والثاني هو اليد التي تحرك هذه الأحجار على الرقعة.
لذلك لابدّ للعمل المجتمعي من الانخراط في العمل والعملية السياسية كأحد أهم الأعمال التي يمارسها وليست مجرد نشاط مرمم أو مكمّل للجهد السياسي في هذه المرحلة، وعدم ترك السياسيين وحدهم في الميدان، لأن التصورات الاجتماعية القريبة من الناس هي الأقدر على إيجاد الحلول الدائمة وتوليد الاستقرار من تبادل المصالح الدولية الخارجية التي يبني عليها السياسيون أطروحاتهم للحل، التي سرعان ما تنهار إذا لم تحظَ بدعم مجتمعي حقيقي وليس توافق طارئ فحسب.
المدير العام | أحمد وديع العبسي